الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (128)

قوله ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا [ نُشُوزاً ]( {[13709]} ) اَوِ اِعْرَاضاً . . . ( {[13710]} ) ) الآية [ 128 ] .

قرأ الجحدري( {[13711]} ) ( أَنْ يَّصَّالَحَا )( {[13712]} ) بتشديد الصاد وكسر اللام .

وأصله أن يصطلحا ثم أدغم الثاني في الأول أعني : دغم الطاء في الصاد .

( وصلحاً ) منصوب على معنى فيصلح الأمر بينهما صلحاً .

وفي قراءة عبد الله : فلا جناح عليهما [ إن أصلحا ]( {[13713]} ) .

ولذلك اعتبر الكوفيون قراءتهم فقرأ( {[13714]} ) وا " يصلحا " ولقوله : " صلحاً " ( {[13715]} ) .

والصلح الاسم ، والعرب تضع( {[13716]} ) الاسم موضع المصدر كقولهم( {[13717]} ) المطية لمطاء .

فأما من قرأ " يصالحا " فليس " صلحاً " باسم له ولا مصدر ، فقراءة( {[13718]} ) الكوفيين أقرب( {[13719]} ) إلى ( صُلْحاً ) من قراءة غيرهم لأن ( صُلْحاً ) اسم الفعل لأصلح .

ومعنى الآية فيما روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : " خشيت سودة( {[13720]} ) أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : لا تطلقني واحبسني مع نسائك ولا تقسم لي ففعل " فنزلت " ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً ) الآية( {[13721]} ) .

فالمعنى أنه إن علمت امرأة من بعلها ميلاً إلى غيرها وهو النشوز أو " إعراضاً " أي : إن أعرض عنها بوجهه وبمنفعته فلا جناح عليهما أن يصالحا أي : لا إثم عليهما في الصلح وهو أن ترضى المرأة أن تترك له يومها أو تسمح( {[13722]} ) له ببعض ما يجب لها من المنفعة لتستديم المقام عنده وتستعطفه بذلك .

( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) أي : جرب تسمح فبقى( {[13723]} ) في حرمتها أولى وأحسن من الطلاق والفرقة .

وقيل : ( {[13724]} ) المعنى ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) من الفرقة ولكن حذف لدلالة الكلام عليه .

قال ابن عباس : هي المرأة تكون عند الرجل حتى تكبر فيريد أن يتزوجها عليها فيتصالحا على أن لهذه يوماً ولهذه يومين أو ثلاثة أو أكثر( {[13725]} ) .

وقالت عائشة رضي الله عنها : ( {[13726]} ) هي المرأة تكون عند الرجل ولعله لا يستكثر منها ، ولا يكون لها ولد وتكون له صحبة فتقول له : لا تطلقني وأنت في حل من شأني( {[13727]} ) .

وعلى هذه المعنى في الآية جميع أهل التفسير .

وروي أن هذه الآية نزلت في خولة بنت محمد بن مسلمة الأنصاري( {[13728]} ) ، والبعل رافع بن خديج الأنصاري ثم هي عامة( {[13729]} ) .

قوله : ( وَأُحْضِرَتِ الاَنْفُسُ الشُّحَّ ) أي : أنفس( {[13730]} ) النساء . حريصة في الشح على( {[13731]} ) الأيام ، وقيل : هو على نصيبها من الرجل ، ونفس الرجل في حرصه على المبيت عند من تميل نفسه إليها( {[13732]} ) .

وقال عطاء : [ هو ]( {[13733]} ) في الأيام والنفقة( {[13734]} ) .

وقال ابن جبير : نزلت الآية في صفية( {[13735]} ) زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت قد كبرت ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقها ، فاصطلحا على أن يمسكها ، ويجعل يومها لعائشة شحاً منها على رسول الله صلى الله عليه وسلم( {[13736]} ) .

وقال ابن زيد وغيره معنى : ( وَأُحْضِرَتِ الاَنْفُسُ الشُّحَّ )( {[13737]} ) يعني نفس الزوجة ، والزوج لا يترك أحد حقه لصاحبه( {[13738]} ) .

قوله : ( وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا ) أي : إن تحسنوا أيها الأزواج إلى النساء إذا كرهتم( {[13739]} ) منهن شيئاً ، وتتقوا الله فيهن في الصحبة بالمعروف ، فإن الله لم يزل خبيراً بما تعملون .


[13709]:- ساقط من (أ).
[13710]:- الإعراض هو أن يميل عنها، ولا يأنس بها، والنشوز التباعد، انظر: المفردات 341-515، واللسان 5/417، و7/165.
[13711]:- هو أبو المجشر عاصم بن أبي الصباح العجاج، وقيل ميمون، الجحدري البصري توفي 128 هـ أخذ عن الحسن ويحيى بن يعمرو، انظر: غاية النهاية 1/399.
[13712]:- كذا وهو خطأ صوابه "يصلحا" بدون ألف، وب(ويصلحا) وردت الرواية في إعراب النحاس 1/458، والمحتسب 1/201، والبحر المحيط 3/363.
[13713]:- ساقط من (أ).
[13714]:- (د): فقير وا.
[13715]:- في "يصالحا ست قراءات (أ) يصالحا: وهي قراءة: ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر. (ب) يصلحا وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي. (ج) يصلحا وهي قراءة الجحدري والبتي. (د) يصلحا وهي قراءة عبد ا لله بن مسعود والكوفيين. (هـ) يصالحا وهي قراءة عبيدة السلماني. (و) أن وصالحا وهي قراءة الأعمش السبعة: 238، وإعراب النحاس 1/458، والمحتسب 1/205، وحجة القراءات: 213، والكشف 1/398 وانظر: أيضاً المحرر 4/271، والجامع للأحكام 5/405، والبحر 3/363.
[13716]:- (د): تقطع.
[13717]:- (د): فقولهم.
[13718]:- (د): بقراءة.
[13719]:- (ج): اضرب.
[13720]:- هي سودة بنت زمعة إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تقدمت ترجمتها.
[13721]:- انظر: سنن الترمذي أبواب التفسير 4/315، وجامع البيان 5/311 ولباب النقول 84، والدر المنثور 2/710.
[13722]:- (د): تمسح.
[13723]:- كذا... والتعبير غير جيد، [وعند الطبري: والصلح بترك بعض الحق استدامة للحرمة وتماسكاً بعقد النكاح خير من طلب الفرقة والطلاق] جامع البيان 5/206/[المدقق].
[13724]:- انظر: جامع البيان 5/306.
[13725]:- انظر: المصدر السابق.
[13726]:- ساقط من (د).
[13727]:- خرجه البخاري بلفظ قريب منه في كتاب التفسير 5/184، جامع البيان 5/307 والدر المنثور 2/710.
[13728]:- لم أقف على ترجمتها.
[13729]:- أسباب النزول: 105-106.
[13730]:- (د): نفس.
[13731]:- كذا...
[13732]:- جامع البيان 5/311.
[13733]:- ساقط من (أ).
[13734]:- انظر: المصدر السابق.
[13735]:- هي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب توفيت 50 هـ من ذوات الشرف في قومها كانت تدين باليهودية، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وقعة خيبر وبعد أن أسلمت. انظر: صفة الصفوة 2/51 وأسد الغابة 6/169، والإصابة 4/337.
[13736]:- خرجه ابن ماجه في كتاب النكاح 1/639 انظر: جامع البيان 5/312.
[13737]:- الشح هو البخل مع حرص، والشح أشد من البخل، وأبلغ منه. انظر: المفردات: 262، واللسان 2/495.
[13738]:- انظر: جامع البيان 5/312.
[13739]:- (د): أكرمتم وهو تحريف.