قوله : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ . . . ) الآية [ 127 ] .
" ما " في قوله : ( وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) في موضع رفع عطف على اسم الله عز وجل .
" وما " هو القرآن . أي الله يفتيكم فيهن ، والقرآن يفتيكم فيهن أيضاً ، وهو قول ابن عباس وغيره .
وقال الفراء( {[13680]} ) ، ( مَا ) في موضع خفض عطف على الضمير في ( فِيهِنَّ ) أي : الله يفتيكم في النساء ، وفيما يتلى عليكم يفتيكم ، وهو غلط عند البصريين لأنه عطف ظاهر على مضمر مخفوض( {[13681]} ) .
وقيل ( مَا ) في موضع رفع بالابتداء ، و( مَا )( {[13682]} ) القرآن أيضاً على معنى : ( ما يتلى عليكم يفتيكم )( {[13683]} ) .
قوله : ( وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ ) .
المعنى عن أن ، وأن في موضع نصب بحذف الخافض .
وقيل المعنى : وترغبون في أن تنكحوهن ، والإعراب واحد ، والمعنى مختلف معنى قول من أضمر " عن " إنهم لا يريدون نكاحهن ومن أضمر " في " فمعناه أنهم يريدون نكاحهن ويرغبون في ذلك( {[13684]} ) .
قوله : ( وَالْمُسْتَضْعَفِينَ ) عطف على يتامى النساء ، أي يتلى عليكم في يتامى النساء ، وفي المستضعفين .
ومعنى( {[13685]} ) الآية : إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون المولود حتى يكبر ، ولا يورثون المرأة ، فلما كان الإسلام سأل المؤمنون النبي صلى الله عليه وسلم( {[13686]} ) عن ذلك ، فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ) يفتيكم أيضاً يعني ما في أول السورة من الفرائض في اليتامى( {[13687]} ) .
قالت عائشة : " هذا في اليتيمة تكون عند الرجل لعلها أن تكون شريكته في ماله ، وهو أولى بها من غيره فيرغب عنها( {[13688]} ) أن ينكحها ويعضلها( {[13689]} ) لما لها فلا يُنكحها غيره كراهة أن يشركه أحد في مالها " ( {[13690]} ) .
فهذا التفسير يجري على قول من أضمر " عن " مع " أن " .
وقال ابن جبير : كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ ، ولا يرث الصغير ولا المرأة ، فلما نزلت المواريث في أول النساء توقفوا ، ثم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله عز وجل ( قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ) أي : في أول السورة ، قال وكان الولي إذا كانت عنده المرأة ذات الجمال والمال رغب فيها ونكحها ، وإن لم تكن ذات جمال ومال أنكحها غيره( {[13691]} ) .
وقال النخعي : كان الرجل إذا كانت عنده يتيمة دميمة لم يعطها ميراثها وحبسها عن التزويج حتى تموت فيرثها فنهى الله عز وجل عن ذلك ( وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ التِي لاَ تُوتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ ) أي : عن أن تنكحوهن ، وذلك كله كان في الجاهلية( {[13692]} ) .
وقال ابن جبير ( وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ ) هو ما أتى في آخر السورة قوله :
( إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ( {[13693]} ) وَلَدٌ )( {[13694]} ) .
روى أن عمرة بنت عمرو بن حزم( {[13695]} ) ، كانت تحت سعد بن الربيع ، فقتل يوم أحد ، فكانت لها منه ابنة ، فأتت عمرة النبي صلى الله عليه وسلم تطلب ميراث ابنتها من أبيها ، فنزلت الآية في ابنتها ، وكان أمرهم في الجاهلية ، أن الرجل إذا مات ورث أكبر ولده ماله كله( {[13696]} ) .
وقيل : ( {[13697]} ) المعنى : ( قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ) وفيما ( وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ ) والذي يتلى هو قوله : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ )( {[13698]} ) . فما في موضع خفض على هذا التأويل .
وقيل : المعنى ( قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ) والقرآن يفتيكم وهو قوله :
( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) .
( وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ ) أي ترغبون عن نكاحهن لدمامتهن وفقرهن .
وقيل : المعنى وترغبون في نكاحهن وذلك لمالهن وحسنهن .
واختار الطبري( {[13699]} ) أن يكون المعنى : وترغبون عن نكاحهن لأنهم إنما عيب عليهم أن يأخذوا مالها ويحبسوها ولا ينكحوها( {[13700]} ) ، ولم يعب عليهم نكاحها إلا إذا لم يعطوها صداق مثلها ، ولم يذكر هنا الصداق فالمعنى أنهم لا يعطونهم ميراثهن ويرغبون عن نكاحهن .
قوله : ( وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ) أي : ( وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّساءِ ) وهي اليتيمة يأخذ مالها ولا يتزوجها ولا يزوجها ، وفي المستضعفين من الصبيان كانوا لا يورثون إلا بالغاً .
( وَأَن تَقُومُوا ) أي : وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط تعطوا الصغير والكبير حقه ، وفرضه الذي نص الله عز وجل عليه لكم هو ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ )( {[13701]} ) والذي أفتاهم( {[13702]} ) في اليتامى( {[13703]} ) قوله ( وَلاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمُ )( {[13704]} ) .
وقيل : هو : ( وَءَاتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثُ بِالطَّيِّبٍ )( {[13705]} ) . والذي يتلى عليكم في التزويج هو قوله : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ )( {[13706]} ) .
قوله : ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ )( {[13707]} ) أي : ما تفعلوا من عدل في اليتامى ، فإن الله لم يزل عالماً بما( {[13708]} ) هو كائن منكم من ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.