الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ قَدِ ٱسۡتَكۡثَرۡتُم مِّنَ ٱلۡإِنسِۖ وَقَالَ أَوۡلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلۡإِنسِ رَبَّنَا ٱسۡتَمۡتَعَ بَعۡضُنَا بِبَعۡضٖ وَبَلَغۡنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيٓ أَجَّلۡتَ لَنَاۚ قَالَ ٱلنَّارُ مَثۡوَىٰكُمۡ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (128)

قوله : { ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن } الآية [ 129 ] .

{ جميعا } نصب على الحال{[21811]} . والمعنى : واذكر يوم نحشر هؤلاء العادلين ( و ){[21812]} أولياءهم من الشياطين ، { يا معشر الجن } أي : يقول لهم : يا معشر الجن ، ومعنى { قد استكثرتم من الإنس }{[21813]} أي : قد استكثرتم من إضلال الإنس{[21814]} .

{ وقال أولياؤهم } أي : أولياء الشياطين من الإنس ، { ربنا استمتع بعضنا ببعض } ومعنى الاستمتاع هنا : ( أن ){[21815]} الرجل كان في الجاهلية ينزل الأرض فيقول : ( أعود بكبير هذا الوادي ) ، فهذا استمتاع الإنس{[21816]} . وأما استمتاع الجن{[21817]} فهو تشريف الإنس لهم واستعاذتهم بهم واعتقادهم أن الجن يقدرون على ذلك{[21818]} .

وقيل : معنى{[21819]} الاستمتاع : أن الجن أغْوَتِ{[21820]} الإنس ، وقَبِلت{[21821]} الإنس منها{[21822]} .

وقيل : المعنى : أن الإنس تلذذوا{[21823]} بقبولهم من الجن ، ( وأن الجن ){[21824]} تلذذوا{[21825]} بطاعة الإنس لهم{[21826]} .

وقالوا : { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } وهو الموت{[21827]} . ( قال ) الله : { النار مثواكم } أي : مقامكم{[21828]} بها خالدين{[21829]} .

وقوله : { إلا ما شاء الله } استثناءٌ ليس من الأول{[21830]} ، والمعنى : إلا ما شاء الله من الزيادة في عذابكم{[21831]} . وسيبويه يمثل{[21832]} هذا بمعنى ( لكنَّ ){[21833]} . والفراء يمثّله{[21834]} بمعنى{[21835]} : ( سوى ){[21836]} .

ومثله في ( هود ) : { إلا ما شاء الله }{[21837]} أي : ما شاء من الزيادة{[21838]} ، وقال الزجاج : معنى الاستثناء هنا إنما هو : إلا ما شاء رَبُّك من محشرهم ومحاسبتهم{[21839]} . وقال الطبري : المعنى فيه أنه استثنى{[21840]} مدة محشرهم من قبورهم إلى مصيرهم إلى جهنم ، فتلك المدة التي استثنى الله تعالى من خُلوُدهم في النار{[21841]} . ( و ){[21842]} قال ابن عباس : جعل الله أمر هؤلاء القوم في مبلغ عذابه إلى مشيئته ، روي عنه أنه قال : هذه آية لا ينبغي{[21843]} لأحد أن يحكم على الله في خلقه ، لا ينزلهم جنةٌ ولا نارا{[21844]} . وقال : هذا الاستثناء{[21845]} لأهل الإيمان{[21846]} .

{ إن ربك حكيم عليم } العليم : هو العالم الذي كمل فيه علمه ، والحكيم : /{[21847]} الذي قد أكمل في حكمته{[21848]} ، ويكون ( الحكيم ) : الحاكم ، أو بمعنى الحكم{[21849]} .


[21811]:انظر: إعراب النحاس 1/579، وفي إعراب مكي: (... من الهاء والميم في (نحشرهم)) 270.
[21812]:ساقطة من ب.
[21813]:ب: استكرتم.
[21814]:انظر: تفسير الطبري 12/115.
[21815]:ساقطة من ب د.
[21816]:انظر: تفسير الطبري 12/116 وفيه معنى استمتاع الإنس من قول ابن جريج، وانظر: معاني الفراء 1/354، ومعاني الزجاج 2/291.
[21817]:ب: الجن بالإنس.
[21818]:انظر: تفسير الطبري 12/116، وانظر: معاني الفراء 1/354، ومعاني الزجاج 2/291.
[21819]:د: أن.
[21820]:ب: أغوث.
[21821]:ب: قبلة.
[21822]:هو قول الزجاج في معانيه 2/291.
[21823]:د: تتلذذوا.
[21824]:مكررة في ب.
[21825]:د: تتلذذوا.
[21826]:انظر: إعراب النحاس 1/579، 580.
[21827]:هو قول السدي في تفسير الطبري 12/117، وابن قتيبة في غريبه 160.
[21828]:ب: طعامكم.
[21829]:انظر: تفسير الطبري 12/117.
[21830]:أي: من قوله: (يوم نحشرهم جميعا)، وانظر: إعراب النحاس 1/580.
[21831]:جوزه الزجاج في معانيه 2/292.
[21832]:ب: يمثل.
[21833]:انظر: الكتاب 2/325.
[21834]:ب: بمثله.
[21835]:ب: بمعنى.
[21836]:د: سواء. وانظر: المحرر 6/150.
[21837]:في الآيتين: 107، 108.
[21838]:انظر: معاني الزجاج 2/292.
[21839]:انظر: معانيه 2/292.
[21840]:د: استثناز
[21841]:انظر: تفسيره 12/118.
[21842]:واردة في أول السطر من (أ)، لذا يصعب تحديد هل هي مخرومة أو ساقطة.
[21843]:د: تنبغي.
[21844]:انظر: تفسير الطبري 12/118، والمحرر 6/151.
[21845]:ب د: استثناء.
[21846]:قال في المحرر 6/151: (ويتجه عندي في هذا الاستثناء أن يكون مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته، وليس مما يقال يوم القيامة) وعزاه القرطبي في أحكامه 7/84 إلى ابن عباس وقال: (فـ) ما (- على هذا – بمعنى: من). أ: وإن.
[21847]:بعضها مطموس مع بعض الخرم.
[21848]:انظر: تفسير الطبري 12/118.
[21849]:مخرومة في أ. ب: المحكم. وانظر: اللسان: حكم.