الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓ إِذۡ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٖ مِّن شَيۡءٖۗ قُلۡ مَنۡ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِۦ مُوسَىٰ نُورٗا وَهُدٗى لِّلنَّاسِۖ تَجۡعَلُونَهُۥ قَرَاطِيسَ تُبۡدُونَهَا وَتُخۡفُونَ كَثِيرٗاۖ وَعُلِّمۡتُم مَّا لَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنتُمۡ وَلَآ ءَابَآؤُكُمۡۖ قُلِ ٱللَّهُۖ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِي خَوۡضِهِمۡ يَلۡعَبُونَ} (91)

قوله : { وما قدروا الله حق قدره } الآية [ 92 ] .

المعنى{[20788]} : وما عظموا الله حق عظمته{[20789]} { إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء }{[20790]} .

وقيل : المعنى : وما عرفوه حق معرفته{[20791]} .

والذي قال ذلك هو رجل من اليهود ، جاء يخاصم{[20792]} النبي ، فقال له النبي : " أنشدك بالذي{[20793]} أنزل التوراة على موسى ، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين " ، وكان الرجل حبرا سمينا ، فغضب اليهودي وقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء ! ، فقال له أصحابه : ويحك ، ولا على موسى ؟ ، فقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء ! ، فأنزل الله : { وما قدروا الله حق قدره } الآية{[20794]} .

وقال محمد بن كعب القرظي : جاء ناس من اليهود إلى النبي فقالوا{[20795]} : يا أبا القاسم ، ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحا يحملها من عند الله ؟ ، فأنزل الله { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء } الآية{[20796]} ، ثم { قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } ، فأنزل الله : { وما قدروا الله حق قدره } الآية ، ثم قال الله لنبيه محتجا عليهم : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس }{[20797]} إلى قوله : { قل الله }{[20798]} .

وقيل : إن هذا خبر عن مشركي العرب أنكروا أن يكون الله أنزل على أحد كتابا{[20799]} .

وقوله : { تجعلونه{[20800]} قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } هم يهود أخفوا{[20801]} من التوراة ما أرادوا ، وأبدوا ما أرادوا{[20802]} .

واختيار{[20803]} الطبري أن يكون ذلك خطابا لقريش ، لأنه في سياق الحديث عنهم ، ولأن اليهود لم يجر لهم ذكر{[20804]} .

قال مجاهد : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } هو خطاب لمشركين العرب ، { تجعلونه{[20805]} قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } إخبار{[20806]} عن اليهود ، { وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } للمسلمين{[20807]} .

فمن قرأ بالياء في ( يجعلونه ) و( يبدون ) و( يخفون ){[20808]} ، رَدَّه على الناس{[20809]} .

ومن قرأ بالتاء{[20810]} ، فعلى المخاطبة لليهود{[20811]} ، والمعنى : علمتم علما فلم يكن لكم علم لتضييعكم إياه ، ولا لآبائكم لتضييعهم إياه ، لأن من علم شيئا وضيّعه ، فليس له علم{[20812]} .

ويجوز أن يكون المعنى : وعلمتم علما لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم ، على الامتنان عليهم بإنزال{[20813]} التوراة /{[20814]} عليهم{[20815]} ، والأول{[20816]} : قول أهل التفسير .

{ وهدى للناس } وقف على قراءة من قرأ بالياء في { تجعلونه } وما بعده ، { ولا آباؤكم } تمام عند نافع ، { قل{[20817]} الله } التمام{[20818]} عند الفراء{[20819]} ، لأن المعنى عنده : قل الله علمكم{[20820]} .

وقيل : المعنى : قل يا محمد : الله أنزله ، ولا جواب لقوله : { قل من أنزل الكتاب }{[20821]} .

وقوله : { ثم ذرهم في خوضهم } أي : دعهم في باطلهم{[20822]} ، وهذا تهديد{[20823]} من الله لهم{[20824]} .


[20788]:ب: والمعنى.
[20789]:انظر: معاني الفراء 1/343، وإعراب النحاس 1/564.
[20790]:انظر: تفسير الطبري 11/521، ومعاني الزجاج 2/271.
[20791]:مجاز أبي عبيدة 1/200.
[20792]:ب: نحاصم. د: تخاصم.
[20793]:ب د: الذي.
[20794]:هو قول ابن جبير في تفسير الطبري 11/521، 522، وفيه أن اليهودي هو مالك بن الصيف، وكذا في أسباب النزول 147، 148، ولباب النقول 102.
[20795]:د: فقال.
[20796]:النساء آية 152.
[20797]:ساقطة من ب د.
[20798]:انظر: تفسير الطبري 11/522، 523.
[20799]:د: كتاب. وهو قول مجاهد وابن عباس في تفسير الطبري 11/524.
[20800]:د: يجعلونه.
[20801]:د: اخبئو.
[20802]:انظر: تفسير الطبري 11/525، 526.
[20803]:ب د: اختار.
[20804]:انظر: تفسيره 11/524.
[20805]:د: يجعلونه.
[20806]:د: أخبارا.
[20807]:انظر: تفسير الطبري 11/524، 527، والقطع 312.
[20808]:(ابن كثير وأبوعمرو): السبعة 262، ومجاهد أيضا في القطع 312.
[20809]:انظر: تفسير الطبري 11/526، ومعاني الفراء 1/343، وحجة ابن خالويه 145، وفي المحرر 6/105 تناسق هذه القراءة مع قوله: {وعلمتم ما لم تعلموا}.
[20810]:(نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي): السبعة 263.
[20811]:انظر: تفسير الطبري 11/526، ومعاني الفراء 1/343، وحجة ابن خالويه 145، وفي المحرر 6/105 تناسق هذه القراءة مع قوله: {وعلمتم ما لم تعلموا}.
[20812]:في الدر 3/315 قول قتادة: (هم اليهود، آتاهم الله علما فلم يقتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعملوا به، فذمهم الله في عملهم ذلك).
[20813]:مخرومة في أ. ب: فأنزل.
[20814]:جلها مطموس في بعض الخرم.
[20815]:انظر: وجهيْ معنى القراءة في المحرر 6/106، وذكر القرطبي في أحكامه 7/37، 38 الوجه الثاني فقط.
[20816]:مخرومة في أ.
[20817]:ب: وقل. د: وقال.
[20818]:د: تمام.
[20819]:ب: القرا.
[20820]:انظر: القطع 312، 313، وفي معاني الفراء: (قل الله أنزله) 1/343.
[20821]:انظر: معاني الفراء 1/343، وتفسير الطبري 11/528، 529.
[20822]:ب د: باطلهم يلعبون.
[20823]:ب: تهديد.
[20824]:انظر: تفسير الطبري 11/529، وفي ناسخ ابن العربي 2/212: (وحيث وقع {ذرهم} في القرآن، فهو منسوخ مثل هذا، وهذا أبين من إطناب فيه)، وفي نواسخ القرآن 155: (فهو محكم وهذا أصح).