الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (16)

قوله : { أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين آمنوا منكم }[ 16 ] ، الآية .

{ أن تتركوا } : في موضع مفعولي " حسبت " عند سيبويه{[28325]} .

وقال المبرد : { أن تتركوا } : مفعول أول ، والثاني مفعول محذوف{[28326]} .

و{ أم } هنا : استفهام ، والمعنى : أحسبتم أيها المؤمنون كذا وكذا ؟ {[28327]} .

ومعنى الآية : أنها خطاب للمسلمين الذين أمرهم الله بقتال المشركين الذين نقضوا العهد ، وأخرجوا الرسول ، يقول{[28328]} تعالى : أحسبتم ، أيها المؤمنون أن يترككم الله بغير محنة ، وبغير اختبار{[28329]} ، ليعلم الصادق منكم من الكاذب{[28330]} ، علم مشاهدة . وقد كان علم ذلك ، تعالى قبل خلق العالم ، ولكن المجازاة إنما تقع على المشاهدة{[28331]} ، فيعلم المجاهدين الذين لم { لم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المومنين وليجة }[ 16 ] ، أي : بِطانة من المشركين ، يفشون إليهم من سرهم{[28332]} .

قال الطبري : إنما دخلت { أم } في موضع الألف هنا ؛ لأنه من الاستفهام المعترض{[28333]} في وسط الكلام ، فدخلت لتفرق بين الاستفهام الذي يبتدأ به ، والاستفهام الذي يعترض{[28334]}

وفي وسط الكلام{[28335]} .

ومثله : { الم تنزيل الكتاب لا ريب [ فيه ]{[28336]} من رب العالمين } ، ثم قال : { أم يقولون }{[28337]} ، بمعنى : أيقولون{[28338]} .

ومثله : { أفلا تبصرون أم أنا/{[28339]} خير } ، أي : أنا خير{[28340]} .

وهذه { أم } هي التي تسمى " المنقطعة " ولا يقدر الكلام معها ب : " أيهم " ولا ب : " أيهما " {[28341]} .

{ والله خبير بما تعملون }[ 16 ] .

أي : ذو خبر{[28342]} بعملكم إن اتخذتم بطانة من المشركين تفشون إليهم سر المؤمنين . ونظير{[28343]} هذه الآية : { ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون } ، أي : يختبرون ، ثم قال : { ولقد فتنا الذين من قبلهم } ، إلى : { وليعلمن الكاذبين }{[28344]}-{[28345]} .


[28325]:مشكل إعراب القرآن 1/325 بلفظ {أن} في موضع نصب بـ:"حسب"، ويسد مسد المفعولين لـ:"حسب" عند سيبويه، وإعراب القرآن للنحاس 2/206، وعنه نقل مكي، والمحرر الوجيز 3/14، وتفسير القرطبي 8/57.
[28326]:المصادر نفسها. وأضف إليها البيان 1/396.
[28327]:لمزيد بيان انظر معاني القرآن للفراء 1/426، وجامع البيان 14/165، والمحرر الوجيز 3/14.
[28328]:في الأصل: يقال، وهو تحريف.
[28329]:في الأصل: اختيار، بياي مثناة من تحت، وهو تصحيف.
[28330]:جامع البيان 14/163، بتصرف.
[28331]:انظر: معاني القرآن للزجاج 2/437.
[28332]:انظر: معاني القرآن للفراء 1/426، وجامع البيان 14/163، وإعراب القرآن للنحاس 2/206.
[28333]:في الأصل: المتعرض.
[28334]:في "ر": يفترض بالفاء وهو تحريف.
[28335]:جامع البيان 14/165، بتصرف، انظر: معاني القرآن للفراء 1/426.
[28336]:زيادة من "ر".
[28337]:السجدة: الآيتان 1، 2.
[28338]:انظر: الكتاب 3/172، وحروف المعاني للزجاجي 48.
[28339]:الزخرف الآيتان: 50، 51، والآيتان بتمامهما: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين}
[28340]:انظر: الكتاب 3/173.
[28341]:بشأن "أم" المنقطعة انظر: الكتاب 3/172، هذا باب أم منقطعة، ومغني اللبيب 65.
[28342]:في الأصل: خير، بياء مثناة من تحت، وهو تصحيف.
[28343]:في الأصل: وتطهير، وهو تصحيف.
[28344]:العنكبوت 1، 2.
[28345]:المحرر الوجيز 3/15، والبحر المحيط 5/20، وينظر: تفسير ابن كثير 2/340.