تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُل لَّوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوۡتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَدۡرَىٰكُم بِهِۦۖ فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِيكُمۡ عُمُرٗا مِّن قَبۡلِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (16)

وقوله تعالى : ( قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ ) هو صلة ما تقدم من قوله حين[ في الأصل وم : حيث ] قالوا : ( ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ أو بدله ) قد ذكرنا أن هذا [ يحتمل وجهين ][ من م ، ساقطة من الأصل ] :

يحتمل أنهم سألوه أن يبدل أحكامه على ترك رسمه ونظمه .

ويحتمل قوله : ( ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ أو بدله ) أي ارفع رسمه ونظمه وأحكامه ، كأنهم ادعوا على رسول الله اختراع هذا القرآن من نفسه واختلاقه من عنده ، فقال : ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ) تأويله ، والله أعلم ، لو شاء الله ألا يظهر دينه فيكم ما[ في الأصل وم : ولا ] ألزم حجة ، ولا بعثني إليكم رسولا ( مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ ) أي ولا أعلمكم به .

ويحتمل قوله : ( وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ ) ولا أعلمكم ما فيه من الأحكام ، أي يقول ( لو شاء الله ) لم يوح إلي ، ولا أمرني بتبليغ ما أوحى إلى وإليكم ولا بالدعاء إلى ما أمرني أن أدعوكم إليه .

وقوله تعالى : ( لو شاء الله ما تلوته ) فلو لم يشأ أن [ أتلوه ما تلوته ][ في الأصل وم : يتلوه ما تلاه ] . دل أن ما شاء الله كان ، وما لم يشإ الله لم يكن . وذلك يرد على المعتزلة قولهم : شاء الله أن يؤمن الخلائق كلهم ، فلم[ الفاء ساقطة من الأصل وم ] يؤمنوا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) أي ( فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ ) فلم أدع ما أدعي الحال ، ولا تلوت ما أتلو ( أفلا تعقلون ) أني لم أخترع هذا من نفسي ، ولكن أوحي إلي ؛ إذ لو كان اختراعا مني لكان ذلك مني في ما مضى من الوقت ، وكنت لابثا فيكم . فإذا لم يكن ذلك مني ( أفلا تعقلون )/227-ب/ أني لم أخترع من نفسي .

يحتمل هذا الكلام وجوها :

أحدها : أنهم لما ادعوا عليه الاختراع من عنده قال : إني قد ( لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ ) أي قبل أن يوحى هذا إلي ؛ فلم تروني خططت بيمني ، ولا اختلفت إلى أحد في التعلم والدراسة ، فكيف أخترع من عندي ، والتأليف لا يلتئم ، ولا يتم إلا بأسباب متقدمة ؟

والثاني : ( فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً ) سنين لم تعرفوني ، ولا رأيتموني كذبت قط ، فكيف أفتري على الله ، وأخترع القرآن من عند نفسي ؟ ألا ترى أنه قال على إثره : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ) ؟ [ يونس : 17 ] .

والثالث : يحتمل قوله ( فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً من قبله ) فلم أسمع أحدا ادعى البعث ، ولا أقام حجة عليه ، وأنا قد أدعيت البعث ، وأقمت على ذلك الحجة ( أفلا تعقلون )[ بعد ][ ساقطة من الأصل وم ] هذا أني لم أخترع من عند نفسي ؟