تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۡهَٰرٗاۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (3)

وقوله تعالى : ( يوم هم بارزون ) وقوله[ في الأصل وم : وقال ] في آية أخرى : ( والأرض بعد ذلك دحاها )[ النازعات : 3 ] وقوله[ في الأصل و م : وقال ] في موضع آخر ( وإلى الأرض كيف سطحت )[ الغاشية : 20 ] وكله واحد ، وقوله[ في الأصل وم : وقال ] : ( الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء )[ البقرة : 22 ] يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ ) أي بسطها ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ) ذكر أنها بسطت على الماء ، فكادت[ في الأصل وم : فكانت ] تكفؤ بأهلها ، وتضطرب كما تكفؤ السفينة ، فأرساها بالجبال الثقال فاستقرت وثبتت . وذكر أنها مدت ، وبسطت على الهواء ، ثم أثبتها بما ذكر من الجبال . ولكن لو كان أنها ما ذكر لكان يجيء ألا يكون بالجبال ثباتها واستقرارها ؛ لأن الأرض والجبال من طبعها التسفل والانحدار في الماء و الهواء . فكلما زيد من ذلك النوع كان[ أدرج بعدها في الأصل وم : في ] التسفل والانحدار أكثر وأزيد فلا يكون[ في الأصل وم : فيكون ] بها الثبات و الاستقرار بل إنما يكون الثبات والاستقرار بشيء من طبعه العلو الارتفاع فيمنع /260-أ/ ذلك الشيء ، الذي طبعه العلو ، عن التسفل والانحدار إلا أن يقال : إنها كانت لا تتسفل ، ولا تتسرب ، ولكن تضطرب وتميد بأهلها على ما ذكره عز وجل : ( وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم )[ الأنبياء : 31 ] فإن كان على هذا فبالجبال[ في الأصل وم : بالجبال ] ثباتها و استقرارها ومنعها عن الاضطراب و الميلان ، وذكر[ في الأصل وم : أو ذكر ] هذا ليعلم لطفه وقدرته حين[ في الأصل وم : حيث ] أمسكها بشيء ، من طبعه [ العلو عن ][ ساقطة من الأصل وم ] التسفل والانحدار ، وهي في نفسها كذلك ، لتعلم قدرة الله ولطفه في كل شيء والله أعلم بذلك .

وقوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ ) أي أنشأها ممدودة [ لا أنها ][ من م ، في الأصل : لأنها ] كانت مجموعة في مكان فبسطها على ما ذكر من رفع السماء ونحوه .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً ) جعل الله عز وجعل الأشياء أكثرها بأسباب تعليما منه الخلق ليكون ذلك عليهم أهون ، وإن كان جعل الأشياء عليه بأسباب [ وبغير أسباب ][ ساقطة من الأصل وم ] سواء ؛ إذ هو قادر بذاته . يذكر هذا إما بحق النعم التي أنعمها عليهم من مد الأرض أو بسطها وإثباتها بالرواسي التي ذكر ، وجعل الأنهار فيها ليصلوا إلى الانتفاع بها ليستأدي بذلك شكره ، وإما[ في الأصل وم : أو يذكر ] بحق الإخبار عن قدرته وسلطانه لأنه جعل الأرض بحيث لا يدخل فيها شيء ، فأخبر أنه أدخل فيها الجبال مع كثافتها وعظمتها لتعرف قدرته .

وقوله تعالى : ( وأنهارا ) أي جعل فيها أنهار ؛ أخبر أنه[ في الأصل وم : أنها ] مد الأرض وبسطها وجعلها مستقرة ثابتة ليقروا هم عليها ، ثم أخبر أنه جعل فيها أنهارا لينتفعوا بها من جميع أنواع المنافع ، ثم أخبر أنه جعل فيها ( وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) قال بعض أهل التأويل : ( زوجين اثنين ) أي لونين . وقال بعضهم : ذوي طعمين [ لكن ][ من م ، ساقطة في الأصل ] يكون فيها ألوان ، أكثر من اثنين ، أحمر وأبيض وأسود ونحوهما . وكذلك الطعام يكون : حامضا وحلوا ومرا ومزا[ في الأصل وم : حامض وحلو ومر ومز ] إلا أن يقال ( زوجين اثنين ) الطيب والخبيث [ فلا يكون لهما ][ في الأصل قد يكون ، في م : فلا يكون ] ثالث . وأما اللون فإنه يكون [ ذا ألوان وذا ][ في الأصل وم : ذو ألوان وذو ] طعوم .

وقال بعضهم : الذكر والأنثى فهذا يصح إذا أراد به الشجر فمنه ما يثمر ومنه ما لا يثمر . فالذي يثمر هو أنثى والذي لا يثمر هو ذكر . وأما على غير هذا فهو لا يصح .

وأصل الزوجين هو اسم أشكال وأمثال ، واسم أضداد ، ففيه دليل نفي ذلك عن الله .

وأصل الزوج هو من له المقابل من الأشكال والأضداد ؛ أخبر أنه جعل الخلق كله ذا أشكال وأضداد من نحو الليل والنهار والذكر والأنثى ؛ فهو في حق المنافع كشيء واحد ، وفي حق أنفسهم كالأشياء .

وقوله تعالى : ( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ) أي يذهب ظلمة الليل بضوء النهار وضوء النهار بظلمة الليل ، أو يلبس أحدهما الآخر ، أو يغطي الليل ما هو [ باد ظاهر للخلق بالنهار ، ويكشف النهار ][ في الأصل وم : باديا ظاهرا للخلق وبالنهار ] ما هو مستور خفي على الخلق [ بالليل ][ ساقطة من الأصل وم ] والله أعلم .

وقوله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) في ما ذكر دلالة البعث والإحياء ودلالة التدبير والعلم والحكمة ودلالة الوحدانية لقوم يتفكرون في آياته وحججه لا لقوم يعاندون آياته ، ويكابرونها .

وقوله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ذكر أن الآيات تكون آيات لهم بالتفكر والنظر ، والله أعلم ، لا أنها[ في الأصل وم : أن ] تصير آيات مجانة[ في الأصل وم : مجانا ] بالبديهة ، أو يقول : إن منفعة الآيات تكون لمن تفكر فيها لا لمن ترك التفكر والنظر ، والله أعلم .