تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ} (2)

وقوله تعالى : ( الله الذي رفع السماوات ) قوله : ( رفع ) أي أنشأها مرفوعة ، لا أنها كانت موضوعة ، فرفعها ، عمد على ما أخبر ، ولكن اللطف والأعجوبة في ما يمسكها بعمد لا ترى كاللطف والأعجوبة في ما يمسكها بغير عمد ، لأن في الشاهد لم يعرف ، ولا قدر على رفع سقف ، فيه سعة وبعد بغير عمد ، لا ترى ، لكن ما يرفع ، إنما يرفع بعمد ترى . فاللطف في هذا كاللطف في الآخر .

وفيه دلالة قدرته على البعث لأنه ذكر هذا ، ثم قال : ( لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) [ إن ][ ساقطة من الأصل وم ] من قدر على رفع السماء مع سعتها وبعدها بلا عمد لقادر على إعادة الخلق وبعثهم وإحيائهم بعد الموت . بل رفع السماء مع سعتها وبعدها بلا عمد أكبر من إعادة الشيء بعد فنائه ، إذ في الشاهد من قد يقدر على إعادة أشياء بعد فنائها ، ولا يقدر على رفع سقف ذي سعة وبعد بغير عمد . من ذا الوجه يمكن[ في الأصل وم : أمكن ] أن يحتج ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) لما لم يفهم من قوله : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) [ وقوله : ( يدبر الأمر ) ][ في الأصل وم : مدبر ] المكان ، وإن كان في الشاهد يفهم عنه المكان إذا أضيف إلى المخلوق لم يجز أن يفهم [ منه استواء الخلق ][ في الأصل وم : من استوائه الخلق ] .

وبعد فإن في الشاهد إذا قيل : فلان استولى أمر بلدة كذا ، فاستوى أمره ، لم يفهم منه نفاذ الأمر والسلطان والمشيئة . فعلى ذلك لم يجز أن يفهم من الله إذا أضيف إليه [ الاستواء ][ ساقطة من الأصل وم ] المكان .

وأصله ما ذكرنا في ما تقدم أنه أخبر أنه ( ليس كمثله شيء )[ الشورى : 11 ] فهو في كل شيء وكل وجه لا يشبه الخلق ، إذ الخلق في الشاهد ، ليس يشبه بعضه بعضا من جميع الجهات ، إنما يشبه بعضهم بعضا بجهة ثم صاروا جميعا أشكالا وأشباها بتلك الجهة التي [ وقع بها التشابه ][ في الأصل وم : وقعت بينهم التشابه ] فأذن الله سبحانه وتعالى لما أخبر أنه ( ليس كمثله شيء )[ الشورى : 11 ] دل أنه إنما نفى عنه الجهات التي يقع بها التشابه والمثل ، فهو يخالف الخلق من جميع الوجوه . وهذه مسألة مذكورة في ما تقدم .

[ ثم ][ ساقطة من الأصل وم ] اختلف في العرش ، قال بعضهم : العرش ، هو الممتحنون من الخلق[ ساقطة من الأصل وم ] بهم استوى تدبير إنشاء غيرهم من العالم لأنهم هم المقصودون في إنشاء ذلك كله .

وقال بعضهم : العرش البعث ، به استوى ، وتم ، إنشاء الخلائق ما لولا البعث يكون إنشاؤهم عبثا باطلا كقوله : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون )[ المؤمنون : 115 ] جعل عدم الرجوع إليه وإنشاءه الخلق عبثا .

وقال بعضهم : العرش ، هو الملك ؛ وبه تم ما ذكر وقيل : هو سرير الملك .

وقوله تعالى : ( يدبر الأمر ) على ما في العقل أنه عن تدبير مدبر خرج ، وعن علم وحكمة وضع ليس على الجزاف بلا تدبير ولا علم .

وقوله تعالى : ( يُفَصِّلُ الآيَاتِ ) يحتمل : يبين الحجج والبراهين ، ويحتمل ( يُفَصِّلُ الآيَاتِ ) أي آيات القرآن أنزلها بالتفاريق لا مجموعة ( لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) هو ما ذكرنا أن ما ذكر من الآيات والتدبير ورفع السماء بلا عمد دلالة البعث والإحياء بعد الموت .

وقوله تعالى : ( بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ ) هو ما ذكرنا في قوله : ( إليه مرجعكم جميعا )[ يونس : 4 ] [ وقوله : ( وإليه المصير )[ المائدة : 18و . . ] وقوله : ( يوم هم بارزون )[ غافر : 16 ] ][ في الأصل وم : ومصيرهم وبروزهم ] وأمثاله ، والله أعلم .