الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ} (26)

قوله : { قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد } [ 26 ] إلى قوله { فلبيس مثوى المتكبرين } [ 29 ] .

المعنى : قد مكر الذين كانوا قبل هؤلاء المشركين : يعني الذين أرادوا الارتقاء إلى السماء بالنسرين لحرب من فيها . وقد مضى ذكر ذلك في إبراهيم أنه نمرود بن كنعان تجبر إذ ملك الأرض .

قال مجاهد {[38768]} : ملك الأرض ، شرقها وغربها ، أربعة : مؤمنان وكافران . فالمؤمنان : ذو القرنين وسليمان ، والكافران نمرود بن كنعان وبختنصر {[38769]} ، وقيل هو نخ تنصر {[38770]} . ونذكر ها هنا قول {[38771]} السدي في ذلك وما روى فيه ، قال السدي : أمر الذي حاج إبراهيم في ربه بإبراهيم {[38772]} ، فأخرج من مدينته ، فلما خرج لقي لوطا على باب المدينة فدعاه فآمن به ، وقال {[38773]} : { إني مهاجر إلى ربي } {[38774]} وحلف نمرود ليطلبن إله إبراهيم . فذهب فأخذ أربعة أفراخ من النسور ، فرباها باللحم والخمر ، حتى إذا كبرن ، وغلظن ، واستعجلن {[38775]} ، قرنهن بتابوت ، وقعد في ذلك التابوت . ثم رفع رجلا من لحم {[38776]} لهن ، فطرن {[38777]} به حتى ذهبن في السماء . فأشرف {[38778]} ينظر {[38779]}

إلى الأرض . فرأي الجبال تدب كدبيب النمل . ثم رفع لهن اللحم ، ثم نظر فرأى الأرض محيطا بها بحر كأنها فلكة في ماء . ثم رفع طويلا فوقع في ظلمة/ فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته . ففزع فألقى {[38780]} اللحم/فاتبعته منقصات . فلما نظرت الجبال إليهن وقد أقبلن منقضات وتسمعن {[38781]} حفيفهن {[38782]} ، فزعت الجبال وكادت أن تزول {[38783]} من أمكنتها ، ولم تزل {[38784]} .

وذلك قوله { وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } {[38785]} . وكان إذا طرن {[38786]} به من بيت المقدس ووقوعهن به على جبل الدخان ، فلما رأى أنه لا يطيق شيئا أخد في بنيان الصرح {[38787]} . فبنى حتى أسند به إلى السماء ، وارتقى فوقه ينظر بزعمه إلى إله إبراهيم فأحدث {[38788]} ولم يكن وقت حدثه . وأخذ الله بنيانه من القواعد { فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } [ 26 ] أي : {[38789]}من {[38790]}مأمنهم . فلما سقط بابل وإنما كان لسان الناس قبل بالسريانية {[38791]} .

. وهو الذي أتى الله بنيانه من القواعد {[38792]} .

وقيل : معنى { فأتى اله بنيانهم من القواعد } [ 26 ] استأصلهم بالهلاك {[38793]} .

وقيل {[38794]} : هو مثل لأعمالهم التي أحبطها الله . كأن [ أعمالهم {[38795]} ] التي عملوها حبطت بمنزلة [ بناء {[38796]} ] سقط من قواعده {[38797]} .

ومعنى : { فأتى الله بنيانهم من القواعد {[38798]} } أي : أتى أمر الله بنيانهم {[38799]} .

ومعنى { فخر {[38800]} عليهم السقف من فوقهم } : خرت عليهم [ أعالي البيوت {[38801]} ] فهلكوا . وقال ابن عباس : معناه أتاهم العذاب من السماء {[38802]} . ومعنى { من فوقهم } : توكيد أنهم تحته ، لأنه قد يقال : سقط على منزل كذا ، إذا كان يملكه {[38803]} . فقال { من فوقهم } ليزول هذا المعنى منه {[38804]} .

وروي أن نمرود بن كنعان بنى بناء ليصل به السماء فبعث الله ريحا فهدمته {[38805]} ، ويقال : إن من يومئذ لم تدع الريح بناء على وجه الأرض يكون ارتفاعه أكثر من ثمانين ذراعا إلا هدمته {[38806]} .


[38768]:ساقط من ق.
[38769]:كتبت في ق (بختنصر) مفصولة أي: (بخت نصر).
[38770]:انظر: قول مجاهد في الدر 5/240 مرويا عن ابن عباس.
[38771]:ق: قال.
[38772]:ط: ... في ربه يا إبراهيم.
[38773]:ق: فقال.
[38774]:العنكبوت: 26.
[38775]:ط: استفحلن.
[38776]:ط: اللحم. ولعله الأصوب وسيأتي بعد قليل معرفا أيضا في (ق).
[38777]:ق: (فيطرن) بزيادة الياء.
[38778]:ق: فاشرفن.
[38779]:ق : ينظرن.
[38780]:ق: فالقي.
[38781]:ط: وسمعن.
[38782]:ق: تنزل.
[38783]:ق : تنزل.
[38784]:ط: ولم نزلن.
[38785]:إبراهيم : 46.
[38786]:ط: "ضرن" وفي جامع البيان: "فكان طيروتهن من بيت المقدس".
[38787]:ق: الصرخ.
[38788]:ق: ما حدث.
[38789]:ساقط من ق.
[38790]:ق: امن.
[38791]:ق: (بثلاث).
[38792]:انظر: قول زيد بن أسلم هذا في جامع البيان 14/97.
[38793]:وهو قول ابن جرير، انظر: جامع البيان 14/97.
[38794]:ط: طمس أتى على السطور الثلاثة الأولى.
[38795]:ق: عملهم.
[38796]:زيادة لازمة ليستقيم السياق. وهي عبارة الزجاج.
[38797]:ذكر هذا القول الزجاج في معاني الزجاج 3/195 ولم ينسبه.
[38798]:ط : طمس أتى على السطور الثلاثة الأولى.
[38799]:وهو قول قتادة انظر: جامع جامع البيان 14/97.
[38800]:ط: فجر.
[38801]:ق: أعلى البيت.
[38802]:انظر: قول ابن عباس في جامع البيان 14/98 والمحرر 10/175 ونسبه لفرقة من المفسرين ولم يسم أحدا، والجامع 10/63.
[38803]:ق وط: (يهلكه) والتصويب من الجامع.
[38804]:وهو : قول ابن الأعرابي. انظر: الجامع 10/65 وانظر: في نفس المعنى المحرر 10/176 والتفسير الكبير 20/20.
[38805]:انظر: هذا الأثر في المحرر 10/175 والتفسير الكبير 20/20 وفيه أنه قول أكثر المفسرين.
[38806]:يلاحظ أن هذا القول يرده الواقع، وهو غير صحيح.