فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ} (26)

ثم حكى سبحانه حال أضرابهم من المتقدّمين فقال : { قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ } ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد به نمروذ بن كنعان حيث بنى بناءً عظيماً ببابل ، ورام الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها ، فأهبّ الله الريح ، فخرّ ذلك البناء عليه وعلى قومه فهلكوا ، والأولى أن الآية عامة في جميع المبطلين من المتقدّمين الذين يحاولون إلحاق الضرّ بالمحقين . ومعنى المكر هنا الكيد والتدبير الذي لا يطابق الحق ، وفي هذا وعيد للكفار المعاصرين له صلى الله عليه وسلم بأن مكرهم سيعود عليهم كما عاد مكر من قبلهم على أنفسهم { فَأَتَى الله بنيانهم } أي : أتى أمر الله ، وهو الريح التي أخربت بنيانهم . قال المفسرون : أرسل الله ريحاً ، فألقت رأس الصرح في البحر ، وخرّ عليهم الباقي { مّنَ القواعد } قال الزجاج : من الأساطين ، والمعنى : أنه أتاها أمر الله من جهة قواعدها فزعزعها { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فوقهم } قرأ ابن أبي هريرة ، وابن محيصن «السقف » بضم السين والقاف جميعاً . وقرأ مجاهد بضم السين وسكون القاف ، وقرأ الباقون { السقف } بفتح السين وسكون القاف ، والمعنى : أنه سقط عليهم السقف ، لأنه بعد سقوط قواعد البناء يسقط جميع ما هو معتمد عليها . قال ابن الأعرابي ، وإنما قال { من فوقهم } ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته ، والعرب تقول خرّ علينا سقف ، ووقع علينا حائط إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه ، فجاء بقوله : { مّن فَوْقِهِمْ } ليخرج هذا الشك الذي في كلام العرب ، فقال : { مّن فَوْقِهِمْ } أي : عليهم وقع ، وكانوا تحته فهلكوا ، وما أفلتوا . وقيل : إن المراد بالسقف : السماء ، أي : أتاهم العذاب من السماء التي فوقهم . وقيل : إن هذه الآية تمثيل لهلاكهم ؛ والمعنى : أهلكهم فكانوا بمنزلة من سقط بنيانه عليه .

وقد اختلف في هؤلاء الذين خرّ عليهم السقف ، فقيل : هو نمروذ كما تقدّم ، وقيل : إنه بختنصر وأصحابه ، وقيل هم المُقسمون الذين تقدّم ذكرهم في سورة الحجر { وأتاهم العذاب } أي : الهلاك { مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } به ، بل من حيث أنهم في أمان .

/خ26