الآية : 72 وقوله تعالى : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } ، قال الحسن وغيره : الحفدة : الخدم والمماليك ، فهو على التقديم على تأويل هؤلاء . يقول : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } ، وخدما من جنسكم ؛ لأنه ذكر فيما تقدم : { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } الآية ( النحل : 71 ) ، يذكرهم نعمه وفضله الذي ذكر أنه : { جعل لكم } من جنسكم ، { أزواجا } ، وخدما تحت أيديهم ؛ يستمتعون بالأزواج ، ويستخدمون الخدم والمماليك ، وهم من جنسهم وجوهرهم ؛ يذكرهم فضله ومنته عليهم .
أو يشبه أن يكون هذا صلة قوله : { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا } الآية ( النحل : 58 ) ، كانوا يأنفون منهن ، وقد جعل لكم من البنات أزواجا تستمتعون بهن حتى لا تصبروا عنهن ، وكذلك جعل لكم من البنات البنين الذين ترغب أنفسكم فيهم ، ما لولا البنات لم تكن لكم الأزواج اللاتي{[10331]} تستمتعون بهن ، ولم يكن لكم البنون الذين ترغبون فيهم ، والأنصار والأعوان والخدم الذين ترغبون فيهم . يبين ، ويذكر تناقضهم من الأنفة منهن ، يأنفون منهن ، ومن البنات يكون ما يرغبون فيه{[10332]} . فهذا يدل أن النساء يصرن كالمُلْكِ للأزواج ، ويصرن تحت أيديهم في حق ملك الاستمتاع ، كالمماليك في حق ملك الرقاب .
ثم جعل عز وجل التناسل في الخلق على التفاريق ، وتقلبهم من حال إلى حال ؛ يتقلبهم أبدا كذلك ليكون أذكر لتدبيره وأنظر في آياته ودلالاته ، . ولو شاء لأنشأ الخلق كله بمرة واحدة ، وأفناهم بدفعة واحدة . وكذلك ما جعل لهم الأرزاق وأنواع النبات ، لو شاء لأخرج لهم ذلك كله بمرة واحدة في وقت واحد ، لكنه أنشأ لهم بالتفاريق ؛ ليذكر لهم النظر في آياته وتدبيره ؛ ليكون ذلك أدعى إلى المرغوب وأحذر للمرهوب ، وكذلك ما ردد من الأنباء والقصص والمواعيد ، وذكر الجنة والنار في القرآن في غير موضع ؛ ليبعثهم ويحثهم على النظر في آياته وتدبيره ، ويرغبهم في كل وقت في المرغوب ، ويحذرهم عن المحذور والمرهوب .
ثم قوله : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } ، وقوله {[10333]} في آية أخرى : { قوا أنفسكم } ( التحريم : 6 ) ، وقوله {[10334]} : { ولا تقتلوا أنفسكم } ( النساء : 29 ) ، ونحوه ذكر الأنفس في كله .
ثم لم يفهم أهل الخطاب من هذا كله / 289 – أ عنى واحدا وشيئا واحدا ، وإن كان في حق اللسان واللغة واحدا ، وإن كان في كل غير ما فهموا في آخر . فهذا يدل أنه لا تفهم الحكمة والمعنى في الخطاب بحق ظاهر اللسان واللغة ، ولكن بدليل الحكمة المجعولة في الخطاب . ومن اعتقد في الخطاب الظاهر حسم باب طلب الحكمة فيه والمعنى ؛ لأنه يجعل المراد منه الظاهر .
وقوله تعالى : { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } هو ما ذكرنا { وحفدة } اختلف فيه :
قال بعضهم : الحفدة : الأختان . وروي عنه أنه قال : الحفدة : ولد الولد . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : الحفدة : الأختان . وروي عنه أنه قال : الحفدة الأصهار ( والأصهار ){[10335]} والأختان عند واحد . وقيل : الحفدة : الأعوان والأنصار .
يذكر لهم {[10336]} التناقض في ما يأنفون من البنات ، أن كيف يأنفون منهن ، ومنهن يكون لهم {[10337]} الأعوان والأنصار والأختان في أمر الدنيا .
وقال أبو عوسجة : الحفدة : بنو البنين ، وقال أيضا : الحفدة : الأعوان ، والحافد : المجتهد في العبادة وفي العمل ؛ يقول : حَفَدَ يَحْفَد ، أي : خدم واجتهد . وقوله : وإليك نسعى ونحفد ، أي : نجتهد .
وقال القَتبي : الحفدة : الخدم والأعوان ؛ يقال : هم بنون وخدم ، وقال : أصل الحفدة مُدَاركَةُ الخطو ، والإسراع في المشي ، وإنما يفعل ذلك الخدم ، فقيل : هم {[10338]} حفدة ( واحده حافد ) {[10339]} ، وقال : ومنه يقال في دعاء الوتر : وإليك نسعى ، ونحفد .
وقال أبو عبيدة : وأصل الحفد العمل ، وقال : ومنه الحرف في القنوت : نحفد ، أي : نعمل ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ورزقكم من الطيبات } ، قال بعضهم : الطيبات : الحلالات ، وقال بعضهم : الطيبات ، أي : كل ما طاب ولان ولطف . ورزق غيركم من الدواب والبهائم كل ما حسن . وحين{[10340]} يذكر لهم مننه عليهم ، ونعمه عليهم يستأدي بذلك شكره .
وقوله تعالى : { أفبالباطل يؤمنون } ، قال بعضهم : أبالشيطان يصدقون ، ويجيبونه إلى ما دعاهم من الأنفة من البنات ، { وبنعمة الله هم يكفرون } ، أي : هذه البنات لكم نعمة : فكيف تكفرونها ؟ فقال : { أفبالباطل يؤمنون } ، أي : بالشيطان إلى ما دعاكم ، { وبنعمة الله هم يكفرون } ، أي : بمحمد ، { هم يكفرون } بالإسلام .
وقال أبو بكر الأصم : { أفبالباطل يؤمنون } ، يقول : تقرون بأنكم عبيد الأحجار ، تذلون لها ، وتعبدونها { وبنعمة الله هم يكفرون } ، يقول : وبما أنعم الله عليكم في أنفسكم وما خَوَّلكم ورزقكم تكفرون به ، وكان الشكر أولى بكم ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.