الآية36 : وقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } قيل : { ولا تقف } أي لا تقل ، وقيل : لا ترم ، وقيل : لا تتبع . فكيف ما كان ففيه النهي عن القول والرمي في ما لا علم له به ؛ ولا ترم ما ليس لك به علم ، ولا تقل { ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } قال بعضهم : كل أولئك ؛ يعني السمع والبصر والفؤاد ، يسأل عما عمل صاحبه كقوله { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم } الآية( يس : 65 ) وقوله : { شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم }( فصلت : 20 ) يسأل هؤلاء عما عمل صاحبها ، فيشهدوا عليه .
وقال بعضهم : هو عن كل أولئك كان مسئولا ؛ أي يسأل المرء عما استعمل هذه الجوارح ؟ وفيم{[10885]} استعملها ؟ .
وقال بعضهم : قوله { كل أولئك } يعني الخلائق جميعا ، { كان عنه } يعني عما ذكر من السمع والبصر والفؤاد { مسئولا } . وقال بعضهم في قوله : { ولا تقف ما ليس به علم }يقول : لا تقل : رأيت ، ولم تر ، وسمعت ، ولم تسمع ، وعلمت ، ولم تعلم ، ومنهم من قال في الشهادة زور .
فإذا احتج يحتج بهذا في إبطال القياس والاجتهاد ، فيقول : إذا قاس الرجل ، فقد قال ما ليس به علم .
لكن ليس كذا لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تكلموا في الحوادث/301-أ/بآرائهم ، وشاروا في أمورهم ، وولي أبو بكر ، رضوان الله تعالى عليه ، الخلافة بغير نص من الرسول عليها ، وجعلها عمر شورى بينهم ، ولم يرو ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نقول : إنهم فعلوا ذلك بغير علم ، ولا قالوا ما لم يعملوا ، فدل ما ذكرنا أن معنى قول الله : { ولا تقف ما ليس لك به علم } ليس يدخل فيه الاجتهاد في الأحكام وتشبيهه الفرع الحادث بالأصل المنصوص عليه ، والله أعلم .
وقال القتبي : { حتى يبلغ أشده } أي يتناهى في الثبات إلى حال الرجال ، ويقال : ثماني عشر سنة ، وقال : أشد اليتيم غير أشد الرجل في قوله : { حتى إذا بلغ أربعين سنة }( الأحقاف : 15 ) والأشد ما ذكرنا من استحكام عقله وتدبيره إلى أن يأخذ بالنقصان ، وهو إذا جاوز أربعين ، يأخذ في النقصان ، وإلى أربعين يكون على الزيادة والنماء .
ويحتمل قوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد }أي { ولا تقف ما ليس لك به علم } بأسباب العلم ، وهو ما ذكر من السمع والبصر .
وجائز أن يكون{ ولا تقف ما ليس لم به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } يسأل هذه الأشياء ، أو يسأل عما امتحن بهذه الأشياء .
وفي قوله : { وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم } دلالة جواز الاجتهاد لأنه أمر بإيفاء الكيل والوزن ، ولا يقدر على ذلك إلا بالاجتهاد الكايل والوازن لأن كيل الرجل يزيد على كيل غيره ، وينقص ، وربما كال الرجل الشيء ، ثم يعيد كيله هو بنفسه ، فيزيد ، وينقص ، ولا يكاد يستوي الكيلان ، وإن كانا من رجل واحد . وإنما التكليف{[10886]} الاجتهاد في كيله ، وترك التعمد للزيادة أو النقصان . فإذا فعل ذلك فقد وفر الكيل ، وأدى الواجب . وهذا عندنا أصل الاجتهاد والاستحسان لأن الكايل إنما يجتهد في توقيفه الحق ، ولا يعلم يقينا أنه وفر ما كان عليه من الكيل الذي سمياه في العقد .
فعلى ذلك الاستحسان ؛ إنما هو الاجتهاد العالم في اختيار أحسن ما يقدر عليه إذا لم يكن للحادثة أصل يردها عليه ، ويثبتها به ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.