الآية18 : وقوله تعالى : { وتحسبهم أيقاظا وهم رقود } قال بعضهم : لأنهم كانوا مفتحة ( لهم ){[11464]} الأعين والأبصار كالأيقاظ{[11465]} . وقال بعضهم : { وتحسبهم أيقاظا } لأنهم كانوا يتقلبون في رقودهم ( ذات ){[11466]} اليمين والشمال كما يتقلب اليقظان يمينا وشمالا .
وقال بعض أهل التأويل : إنما كان يقلبهم ذات اليمين والشمال ليدفع عنهم أذى الأرض وضررها لئلا يفسدوا ، ويتلاشوا ، وإن كان الله قادرا أن يدفع عنهم الأذى وضرر الأرض لا بتقليب من جانب إلى جانب ، وإن كان مما يفعل من لا يملك دفع الأذى بما ذكرنا ، فأما من كان قادرا بذاته مستغنيا عن الأسباب التي بها يدفع ( الضرر ){[11467]} فغير محتمل .
وقوله على التعليم منه إياهم : أن كيف يُتّقَى الأذى ؟ وكيف يُدفع الضرر . فإذا لم يكن بمشهد من الخلق فلا معنى له .
وقال بعضهم : قوله : { وتحسبهم أيقاظا وهم رقود } لأنهم كانوا في مكان الريبة واللصوص مما لا يأوي إليه إلا هارب من ريبة وشر أو قاصدا ريبة وطالب عثرة ومكابرة . لم يكونوا في مكان يسلم فيه ، ويرقد ، ولا يختار للنوم مثله . فقال : { وتحسبهم أيقاظا وهم رقود } لما كانوا في مكان لا ينام فيه للخوف ، كأنهم أيقاظ ، وهم رقود ، والله أعلم . ولكن لا ندري لأي معنى ذكر أنه يحسب الناظر إليهم كأنهم أيقاظ ، وهم رقود . وإذ لم يبين الله ذلك فلا يفسر .
وقوله تعالى : { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } هو ما ذكرنا ( أن النوم ){[11468]} قد يتقلبون في نومهم من جانب إلى جانب ، وذكر التقليب . وجائز أن يكون لما ذكر بعضهم من دفع أذى الأرض وضررها ، أو ذكر فعله لما له في تقلبهم صنع وفعل ، والله أعلم ، وقوله { ذات اليمين ذات الشمال } إذ لا نفهم من ذات الشيء غير ذلك أو شيئا آخر سواه ، لأنه ذكر ذات اليمين ، فهو اليمين ، والشمال نفسه لا غير ، فعلى ذلك في قولنا : عالم بذاته لا يفهم غيره علمه ، أي عالم .
وقوله تعالى : { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } قال بعضهم : الوصيد هو فناء الباب . وقال بعضهم : الوصيد هو عتََبَةُ الباب . قال القتبي : الوصيد الفِنَاءُ ، ويقال عتبة الباب ، وهذا أعجب لأنهم يقولون : أوصد بابك أي أغلقه ( ومنه قوله ){[11469]} : { إنها عليهم مؤصدة } ( الهمزة : 8 ) أي مُطَْبَقَة .
وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إذا أغلقته . فإذا كان الوصيد هو عتبة الباب ففيه أن الكلب كان داخل باب الغار ، وإن كان الفناء
ففيه أنه كان خارج باب الغار وفيه أيضا ( أنه ){[11470]} أبقى الكلب ثلاث مائة سنة على ما أبقاهم ، وإن لم يكن من جوهرهم ، بلطفه .
وقوله تعالى : { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا } قال بعض أهل التأويل : وذلك لأن{[11471]} شعورهم قد طالت ، وأظفارهم قد امتدت ، وعظمت . فكانوا بحال يُرغَب عنهم ، ويهاب . لكن هذا لا يحتمل لأنهم { قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } ( الكهف : 19 ) فلو كانوا على الحال التي ذكروا من تطاول الشعور وامتداد الأظفار وتغير أحوالهم لم يكونوا ليقولوا : { لبثنا يوما أو بعض يوم } إذ لو نظروا في أنفسهم من تغير الأحوال لعرفوا أنهم لم يلبثوا ما ذكروا من الوقت . دل ذلك أن ذلك للخوف والهيبة لا لذلك .
وقال بعضهم : لأنهم كانوا في مكان الريبة ، في ما لا يؤوى إلى مثله إلا لخوف أو ريبة أو طلب أو ريبة ، لا يأويه إلا هذان{[11472]} هارب من شر أو طالب شر إلى آخر ما ذكرنا ؛ إذ من أقام في مهاب مخوف يهاب منه ، ويخاف . أو أن يكونوا بحيث يهابون ، ويخاف منهم ، لئلا يدنو منهم أحد ، ولا يقرب ، فلا يوقظهم أحد ، ليبقوا إلى المدة التي أراد الله أن يبقوا فيها . وكذلك يحتمل هذا المعنى في تقلب اليمين والشمال .
وجائز أن يكون قوله : { لو أطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا } ذلك الخوف وتلك الهيبة هيبة الدين على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( نُصِرْتُ بالرُعْبِ مسيرة شهرين ) ( الطبري في الكبير11506 ) وذلك لدينه وحقيقة أمره . فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكر من هيبة أحوالهم لدينهم الذي اختاروا من بين ( دين ){[11473]} قومهم ، وفارقوهم ، ليسلم دينهم ، إلى مكان ، لا طعام فيه ، ولا شراب ، وذلك لحقيقة ما اختاروا من الدين . كان ذلك لمعنى أن يطلع الله ورسوله على ذلك ، فلا نُفَسِرْ ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.