تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

الآية 21 وقوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } قال بعضهم : ذلك حيثما( {[16548]} ) كان يباشر القتال بنفسه ، فباشروا معه القتال [ فمن باشر معه القتال ]( {[16549]} ) آساه بأسوة حسنة ، ومن لم يفعل فلم يؤاسه . وابن عباس يقول : { أسوة حسنة } أي سنة صالحة أو نحوه .

مثل هذا إنما يذكر عن زلات تكون إما من المنافقين وإما( {[16550]} ) من المؤمنين ؛ فيقول : لكم في التأسي برسول الله الاقتداء والقدوة به . فهو يخرّج على وجوه :

أحدها : أي لقد كان لكم في رسول الله قبل أن يبعث رسولا وقبل أن يوحى إليه في ما عرفتموه من حسن خلقه وكرمه وشرفه وأمانته أسوة حسنة . فكيف تركتم إتباعه إذ( {[16551]} ) بعث رسولا ؟

الثاني : لقد كان لكم ، أي صار لكم في رسول الله إذ( {[16552]} ) بعث رسولا أسوة حسنة في ما أنزل إليه ، وأوحي إليه ، وفي ما شاهدتموه من حسن خلقه وكرمه . فالواجب عليكم أن تتأسوا به .

والثالث : لقد كان لكم بالمؤمنين أسوة باستوائهم لو اتبعتم في ما شرع لكم رسول الله ، وسن ، والأسوة هي الاستواء كقول الناس : فلان أسوة غرمائه ، أي يكون المال بينهم على الاستواء . هذا والله أعلم ، يشبه أن يكون تأويل الآية .

وقوله تعالى : { لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } قال بعضهم : تكون في رسول الله أسوة لمن خاف الله وآمن باليوم الآخر وبجزاء الأعمال . فأما المنافق والذي لا يؤمن بالبعث فلا تكون فيه أسوة له .

وجائز أن يكون قوله : { لمن كان يرجو الله } أي لقد كان لكم أسوة حسنة ولمن كان يرجو الله واليوم الآخر ، وأن يكون : لكم في رسول الله أسوة حسنة وفي من كان يرجو الله واليوم الآخر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وذكر الله كثيرا } ذكر الله يحتمل في نعمته وإحسانه ؛ يذكره بالشكر له وحسن الثناء ، أو يذكر سلطانه وملكه أو جلاله وعظمته وكبرياءه ، والله أعلم .


[16548]:في الأصل وم: حيث.
[16549]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[16550]:في الأصل وم: أو.
[16551]:في الأصل وم: إذا.
[16552]:في الأصل وم: إذا.