تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا} (83)

الآية 83

وقوله تعالى : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به } وفي حرف بن مسعود رضي الله عنه وإذا جاءهم نبأ من خوف أو أمن أذاعوه ، وكذلك في حرف حفصة . قال الكسائي : ( هما لغتان : أذعت به ، وأذعته ، إذا{[6074]} أفشيته . وقيل : سمعوا به ، وأفشوه . وقيل : أفشوه ، وأشاعوه ) .

ثم اختلف فيما نزلت ؛ قال الحسن : ( نزلت في المؤمنين ، وذلك أنهم إذا سمعوا خبرا من أخبار السرايا والعساكر مما يسرون ، ويفرحون أفشوه في الناس فرحا منهم ، وإذا سمعوا ما يحزنهم ، ويهمهم ، أظهروه في الناس حزنا وغما ) .

ثم استثنى { إلا قليلا } لا يذيعون ، ولا يفشون الخبر . فلو سكتوا ، وردوا الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يخبر النبي صلى الله عليه وسام ما كان من الأمر ، ويرده{[6075]} إلى أولي الأمر ، حتى يكونوا هم الذين يخبرون به ، كان أولى . وهو على التقديم والتأخير .

وقال أبو بكر الكسائي : ( نزلت الآية في المنافقين ؛ وذلك أن المنافقين إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر عن نصر المسلمين على {[6076]} الأعداء بذلك لأعدوا على ذلك ، وإذا سمعوا أن الأعداء قد اجتمعوا ، وأعدوا للحرب أخبروا بذلك ضعفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليمتنعوا عن الخروج إليهم . فقال الله عز وجل : ولو ردوه إلى الرسول } حتى كان هو/105-أ خبرهم عن ذلك ، وردوه{[6077]} إلى أولي الأمر منهم ، ليخبروا بذلك ، والله أعلم . ثم اختلف في { ولو ردوه إلى الرسول } قيل : هم أمراء السراي ، وقيل : هم( العلماء والفقهاء ) {[6078]}{ الذين يستنبطونه منهم } الذين يطلبون علمه بقوله . وقيل : { أولى الأمر منهم } ههنا مثل أبي بكر وعمر وثمان وعلي رضي الله عنهم{ لعلمه الذين يستنبطونه منهم } أي يستخرجون من كتاب الله تعالى . وقيل : { أولي الأمر منهم } ولاة الأمر{ الذين يستنبطونه } والذين{ أذاعوا به } قوم إما منافقون ، وإما مؤمنون على ما ذكرنا ، إنما هو { أذاعوا به } إلا قليلا منهم{ ولولا فضل الله عليكم } الآية{[6079]} .

وقوله تعالى : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا } اختلف فيه ؛ قيل : { فضل الله } رسولنا ( محمد- عليه أفصل الصلوات- ){[6080]} { ورحمته } القرآن . تأويله : لولا محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن لتبعوا الشيطان إلا قليلا منهم لم يتبعوه ، ولكن آمنوا بالعقل . وقيل : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } في الأمر والنهي عن الإذاعة والإفشاء ، وإلا( لأذاعوا به ){[6081]} ، واتبعوا الشيطان في إذاعتهم به إلا قليلا منهم ، فإنهم{[6082]} لا يذيعون به .

وعن الضحاك( أنه ){[6083]} قال : ( هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا حدثوا أنفسهم بأمور من أمور الشيطان إلا طائفة منهم لم يحدثوا بها أنفسهم ) .

وقال آخرون : هم المنافقون ؛ كانوا إذا بلغهم أن الله تعالى أظفر المسلمين على المشركين ، وفتح عليهم ، صغروه ، وحقروه . وإذا بلغهم أن المسلمين نكبوا شنعوه ، وعظموه .

وعن ابن عباس رضي الله عنه : { إلا قليلا }منهم ( أنه ){[6084]} يقول : ( لعلم{[6085]} الأمر الذين استثنى الله عز وجل حين قال إبليس – لعنه الله- : { لأحتنكن ذريته إلا قليلا } ( الإسراء : 62 )وحين قال : { ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } )( الحجر : 39-40 ) .

وقال غيرهم : ما ذكر على التقديم والتأخير : وإذا جاءهم أمر من الأمن والخوف أذاعوا به إلا قليلا منهم ، والله أعلم بذلك .


[6074]:في الأصل وم: وإذا.
[6075]:في الأصل وم: وردوه.
[6076]:في الأصل وم: إلى.
[6077]:في الأصل وم: أوردوه.
[6078]:في الأصل وم: علماء الفقهاء.
[6079]:أدرج بعدها في الأصل وم: على قوله بعض.
[6080]:في الأصل وم: محمدا عليه أفضل الصلوات. في م: محمد صلى الله عليه وسلم.
[6081]:في الأصل: لأذاعوا. في م: لأذاعوه.
[6082]:من م. في الأصل: بأنهم.
[6083]:ساقطة من الأصل وم.
[6084]:ساقطة من الأصل وم.
[6085]:في الأصل وم: لعلموا.