تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

الآية 18 وقوله تعالى : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ } سمّى ذلك اليوم يوم الآزفة لقربه ودُنوّه منه ، وعلى ذلك سمّاه [ { لغد ] [ الحشر : 18 ] ]{[18190]} و{ قريبا } [ الحشر : 15 ] كقوله : { اقترب للناس حسابهم } [ الأنبياء : 1 ] فعلى ذلك سمّاه { يوم الآزفة } لدنوّه وقربه منهم . يقال : أزِف فلان إلى فلان ، أي قرُب ، ودنا منه .

ومعناه : أي أنذرهم بما إليه مرجع عاقبتهم ، ومصيرهم ، لأن أهل العقل والتمييز إنما يعملون ، ويسعون للعاقبة ، وما إليه ترجع أمورهم ، وهو ذلك اليوم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ } يخبر عن شدة حالهم وفزعهم في ذلك اليوم ؛ ليس أن تزول قلوبهم عن أمكنتها ، وترتفع إلى الحناجر حقيقة ، ولكنه وصف لشدة حالهم في ذلك وكثرة خوفهم وفزعهم وضيق صدورهم ، وهو كقوله تعالى : { ضاقت عليهم الأرض بما رَحُبت } [ التوبة : 118 ] أي ضاقت صدورهم وقلوبهم بما حل بهم من الشدائد والأهوال ، ليس أن صارت الأرض في حقيقة مضيّقة ، لا يسَعون فيها ، ولكن وصف لضيق صدورهم لعِظم ما نزل بهم . فكنّى بضيق الأرض عن صدورهم .

فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكر من كون القلوب لدى الحناجر كناية عن ضيق صدورهم لشدة حالهم وعظيم ما حل بهم ، والله أعلم .

والحناجر ، هي مواضع الذبح من الشاة وغيرها من الدواب ، واحدتها{[18191]} حنجرة .

وقوله تعالى : { كَاظِمِينَ } قال بعضهم : الكاظم المغموم الذي يتردّد حزنه في جوفه غيظا لما كان منه في الدنيا .

وقيل : الكاظم [ الذي ]{[18192]} لا يتكلم ، قد كُظم من الخوف ، وقيل : الذي لا يفتح فمه ، وهو قريب بعضهم من بعض .

وقوله تعالى : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } أي قريب ، وقيل : الحميم هو الذي يهتم لأمر صاحبه ، ويسعى في دفع ما نزل به من البلاء .

وقوله تعالى : { وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } أي يجاب ؛ يذكر ألا يكون لهم في الآخرة قريب ، يهتم لأمرهم ، ولا شفيع يشفع لهم ، فيجاب ، كما يكون في الدنيا ، وكذلك قوله { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } [ المدثر : 48 ] أي لا يكون لهم شفعاء تنفعهم ، وهو ما قال عز وجل في آية أخرى : { أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ } الآية [ البقرة : 254 ] .


[18190]:في الأصل وم: غدا.
[18191]:في الأصل وم: واحدها.
[18192]:ساقطة من الأصل وم.