تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (11)

الآية 11 وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم } الآية : يخرج على وجهين :

أحدهما : { إذا قيل لكم تفسحوا } أي إذا قيل لكم : تأخروا في المجالس فتأخروا ، { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } أي ارتفعوا ، وتقدموا ، فيكون قوله : { تفسحوا } إذا كان الحضور أولا هم الذين همهم السماع والعمل به دون أخذه والتفقه فيه ، قيل لهم : تأخروا حتى يقرب من يصير إماما للناس وفقيها لهم .

وإذا كان الحضور هم الذين ، همهم التفقه ، وهم الأئمة ، ثم جاء بعد ذلك من كان همهم السماع والعمل به ، قيل للذين تقدموا أولا : ارتفعوا ، أو تقدموا ، حتى يسمع من حضر بعدكم قول النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم .

والثاني : أنه إذا كان في المجلس أدنى سعة أو فسحة ما يمكن غيره من التحريك والتفسح دون القيام يقال لهم : تفسحوا ، وإذا لم يمكن ذلك إلا بالقيام قيل لهم : قوموا وارتفعوا ، وتقدموا .

وقوله تعالى : { يفسح الله لكم } يحتمل وجوها .

أحدها : { يفسح الله لكم } في القبر .

{ والثاني } {[20843]} في الآخرة في الجنة .

{ والثالث } {[20844]} : { يفسح الله لكم } في المجلس ، وهو فسحة للقلب وتوسعة للعلم والحكم ، والله أعلم .

وقال الحسن : { إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس } أي في القتال والحرب ، { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } أي إذا قيل : انهروا إلى العدو ، فانهروا . قال قتادة : أي إذا دعيتم إلى خير أو صلاة فأجيبوا . وقال غيره : إلى كل خير من قتال عدو أو أمر بمعروف أو نهي عن المنكر ، أو حق كائنا ما كان ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } أخبر أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات لفضل العلم على سائر العبادات من الجهاد وغيره .

ألا ترى أنه قال في آية الجهاد : { فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة } ( النساء : 95 ) ؟ ، جعل المجاهدين على القاعدين فضل درجة ، وللذين أوتوا العلم على الذين لم يؤتوا درجات ليعلم فضل العلم على غيره .

وكذلك قوله تعالى : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا } { التوبة : 122 } قال بعضهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس قوما عند مجلسه{[20845]} ليتفقهوا في الدين ، ويبعث قوما سرايا حتى إذا رجعت السرايا أنذرهم الذين تفقهوا في الدين ، وتعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فإذا كان التأويل هذا ففيه دلالة فضيلة العلم على الجهاد حتى أحوج أولئك إليهم .

وقال بعضهم : كان ينفر من كل قوم طائفة ليتفقهوا في الدين ، فإذا رجعوا إلى قومهم أنذروا قومهم .

وقال قتادة : إن بالعلم لأهله فضيلة ، وإن له على أهله حقا ، ولعمري الحق عليك أيها العالم أفضل ، والله يعطي كلا من فضل فضله .

وقال قتادة : في قوله تعالى : { إذا قيل لكم تفسحوا } إنهم كانوا إذا رأوا أخا لهم مقبلا يضنون بمجالسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الله تعالى أن يفسح بعضهم لبعض .

وقال مقاتل : أقبل نفر من الأنصار ممن شهد بدرا ، فسلموا على نبي الله صلى الله عليه وسلم ومن حوله ، فردوا السلام ، وضنوا بمجلسهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يوسعوا لهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم يا فلان { ويا فلان } {[20846]} من الذين لم يشهدوا بدرا ، { من المنافقين } {[20847]} فنزلت هذه الآية ، والله أعلم .


[20843]:في الأصل وم: أو
[20844]:في الأصل وم: أو
[20845]:في الأصل وم: نفسه
[20846]:من م، ساقطة من الأصل
[20847]:في الأصل وم: قبلكم في ذلك المنافقون.