تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ قَدِ ٱسۡتَكۡثَرۡتُم مِّنَ ٱلۡإِنسِۖ وَقَالَ أَوۡلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلۡإِنسِ رَبَّنَا ٱسۡتَمۡتَعَ بَعۡضُنَا بِبَعۡضٖ وَبَلَغۡنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيٓ أَجَّلۡتَ لَنَاۚ قَالَ ٱلنَّارُ مَثۡوَىٰكُمۡ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (128)

الآية 128 وقوله تعالى : { ويوم يحشرهم جميعا } يعني من تقدم ذكره من الجن والإنس ، أو يحشر الأولين والآخرين { يا معشر الجن } هو على الإضمار كأنه قال{[7752]} : ويوم يحشرهم { جميعا يا معشر الجن } والإنس ، ثم نقول للجن : { قد استكثرتم من الإنس } كقوله تعالى : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] [ أي تقولون ]{[7753]} : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ، فكذلك هذا هو على الإضمار .

وقوله تعالى : { قد استكثرتم من الإنس } قال أهل التأويل في قوله تعالى : { قد استكثرتم من الإنس } وهم قد استكثروا من الأتباع من الإنس في عبادة غير الله ومخالفة أمر الله وتوحيده ، أو استكثروا{[7754]} عبادا من الإنس { وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض } اختلف فيه :

قال بعضهم : تعاون بعضنا ببعض في معصية الله ومخالفة أمره : هؤلاء بالدعاء وأولئك بالإجابة .

وقال قائلون : { ربنا استمتع بعضنا ببعض } أي انتفع بعضنا ببعض بأنواع المنافع ، ما ذكر في بعض القصة أن الرجل من الإنس إذا سافر ، فأدركه المساء بأرض القفر ، خاف ، فيقول : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ، فيأمن في ذلك بالتعوذ إلى سيدهم . فذلك استمتاع الإنس بالجن . [ وذلك قوله تعالى : ]{[7755]} { وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } الآية [ الجن : 6 ]

وأما استمتاع الجن بالإنس فما يزداد لهم الذكر والشرف في قومهم ؛ يقولون : لقد سودتنا الإنس . ويحتمل استمتاع /161-ب/ الجن بالإنس{[7756]} ما ذكر ، إن ثبت ، أنه جعل طعامهم العظام التي يستعملها الإنس ، ويكون ذلك غذاءهم ، وعلف دوابهم أرواث دواب الإنس . وقال الحسن : ما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت الإنس ، فعملت{[7757]} ، وذكر{[7758]} جواب الإنس لهم ، ولم يّكر جواب الجن لهم .

وقوله تعالى : { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } قيل : الموت ، وقيل : البعث يوم القيامة ؛ لأنهم كانوا ينكروا البعث ، فأقروا عند ذلك بأنا قد بلغنا { أجلنا الذي أجلت لنا } وكنا كذبناه . أقروا بما كانوا ينكرون . [ وقوله تعالى ]{[7759]} { قال النار مثواكم } أي عقابكم { خالدين فيها إلا ما شاء الله } اختلف فيه ؛ قال الحسن : { إلا ما شاء الله } وقد شاء الله أن يخلدهم في النار .

وقال غيرهم : الاستثناء من وقت البعث إلى وقت الخلود ، وهو وقت الحساب ، ووقت الحساب هو وقت الثنيا { خالدين فيها إلا ما شاء الله } ماداموا في الحساب . وقيل : الاستثناء للمؤمنين الذين اتبعوهم في فعل المعاصي والجرم ، ولم يتبعوهم في الاعتقاد ففيه دليل إدخال المؤمنين النار بالمعاصي ، والعقوبة لهم بقدر معصيتهم ، ودليل إخراجهم ، إن ثبت .

وقوله تعالى : { إلا ما شاء الله } يحتمل وجوها ثلاثة : أحدها : أن خلود الآخرة أكبر من خلود الدنيا ؛ لأن خلود الدنيا على الانقضاء ، وخلود الآخرة لا على الانقضاء . الثاني : وقع الثنيا قبل دخولهم في النار . والثالث : لمن يتبعهم في الكفر .

وقوله تعالى : { إن ربك حكيم عليم } أي حكيم بما حكم ، ووضع كل شيء موضعه { عليم } بذلك .


[7752]:- على قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي، انظر معجم القراءات القرآنية (2/318) .
[7753]:- من م، في الأصل: أن تقولوا.
[7754]:- في الأصل وم: استكثرتم.
[7755]:- في الأصل وم: فذلك.
[7756]:- من م، في الأصل: والإنس.
[7757]:- في م: فعلمت.
[7758]:- الواو ساقطة من الأصل وم.
[7759]:- ساقطة من الأصل وم.