تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ} (11)

وقوله تعالى : ( إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) ذكر النعاس بعد شدة خوفهم ، والنعاس لا يكون ممن اشتد به الخوف ، ولا يغشاه إلا بعد الأمن . فذكر لطفه ومنته الأمن بعد شدة الخوف ذكر عظيم ما من عليهم من الأمن لما ذكر من إلقاء النعاس عليهم . والنعاس إنما يكون بعد الأمن بعد ما كان من حالهم ما ذكر حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ )[ الأنفال : 6 ] .

وقوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) ذكر في بعض القصة أن المشركين سبقوا ، فأخذوا الماء ، فبقي المسلمون في رمل ، لا تثبت أقدامهم ، عطاشا[ في الأصل وم : عطشا ] ، فوسوس إليهم الشيطان إنهم لو كانوا على حق ما بلوا بمثل ذلك في رمل ، لا تثبت أقدامهم ، وعطش[ في الأصل وم : عطشى ] . فأبدل الله تعال مكان الخوف أمنا يأمنون به ، وأنزل عليهم ( مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) ويشربوا[ في الأصل : ويشربون ] /196-ب/ ويشد به الرمل ، فتثبت أقدامهم .

فذلك قوله تعالى : ( إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) .

قال أهل التأويل : وسوسة الشيطان التي يوسوس إليهم . وقيل : الرجز الإثم ، ثم أذهبَ[ في الأصل وم : ذهب ] ذلك عنهم كقوله تعالى : ( رجسا )[ التوبة : 125 ] أي[ في الأصل وم : أو ] فسقا .

وقوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) ذكر هذا ، والله أعلم ، على المبالغة ؛ أخبر أنه أنزل من السماء ما فضل عن حوائجهم حتى وجدوا ما يطهروا أنفسهم وأبدانهم ، وأذهب[ في الأصل وم : وذهب ] عنهم رجز الشيطان . ذكر السبب الذي به يذهب الرجز ؛ لأن الرجز هو العذاب . فذكر الرجز والمراد منه سبب الرجز .

وقوله تعالى : ( وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ) أي يشدها ( وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) يحتمل حقيقة تثبيت الأقدا ، ويحتمل الثبات على ما هو عليه . والربط هو الشد لشيء . فيحتمل قوله ( وليربط على قلوبكم ) أي يشدها حتى لا يزال أحد عما هو فيه ولا يزيغ عن ذلك ، وإن ابتلاه الله تعالى بأنواع الشدائد والبلايا .

ذكر في التوحيد والإيمان الربط والتثبيت بقوله : ( كذلك لنثبت به فؤادك )[ الفرقان : 32 ] وقوله : ( وليربط على قلوبكم )[ الأنفال : 11 ] وقوله : ( وربطنا على قلوبهم )[ الكهف : 14 ] وذكر في الشرك والكفر الطبع والختم والقفل ونحوه ، فهو ، والله أعلم ، عقوبة لهم لما اختاروا ذلك .

وقوله تعالى : ( ويذهب عنكم رجز الشيطان ) قيل : وسوسة الشيطان ، وهو ما ذكر في بعض القصة أن المسلمين أصابهم ضعف شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم القنوط ، [ يوسوس لهم ][ في الأصل وم : يوسوهم ] ، ويقول لهم : تزعمون أنكم أولياء اله ، وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم تصلون مجنبين ، فأمطر الله عيهم مطرا شديدا ، فشرب المسلمون ، وتطهروا ، وأذهب عنهم رجز الشيطان ، ونشف الرمل ؛ حين أصابه المطر مشى الناس عليه والدواب ، فساروا إلى القوم وأمد الله عز وجل نبيه بألف من الملائكة بقوله : ( بألف من الملائكة مردفين )[ الأنفال : 9 ] .