وقوله تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ) [ قوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ويعلم الصابرين )[ آل عمران : 142 ] [ وقوله أيضا ][ في الأصل وم : وأيضا قوله ] : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم )الآية[ البقرة : 214 ] وقوله : ( آلم ) ( أحسب الناس أن يتركوا ) الآية[ العنكبوت : 1و2 ] هذه الآيات كلها في المنافقين الذين أظهروا الإيمان باللسان ، ورؤوا المؤمنين الذين حققوا الإيمان ، وأخلصوا الإيمان والموافقة له ، فقال : ( أم حسبتم أن تتركوا ) على ما أظهرتم من الإيمان باللسان فلا تبتلوا[ في الأصل وم : تبتلون ] بالقتال مع الكفرة ؟ والله أعلم .
أمر به[ الضمير يعود على القتال ] لمعنيين :
أحدهما : تطهير للأرض للأرض من الكفر كقوله تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )[ الأنفال : 39 ] .
والثاني : امتحانا للمنافقين ليتبين نفاق من أظهر الإيمان باللسان مراآة ، وصدق من أظهره حقيقة ، ليعرف المحق المخلص من المنافق المرائي ، لأن القتال هو[ أدرج بعدها في الأصل : من ] أرفع أعلام يظهر بها نفاق المنافق لأنهم إنما كانوا يظهرون الموافقة طمعا لهم بالدنيا لتسليم لهم المنافع التي كانوا ينتفعون بها .
ففي الأمر بالقتال خوف الهلاك فإذا خافوا الهلاك على أنفسهم امتنعوا عنه كقوله : ( قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا )الآية[ الأحزاب : 18 ] خوفا وإشفاقا على أنفسهم لما ذكرنا أنهم إنما كانوا يظهرون الإيمان باللسان ليسلم لهم ما طمعوا[ من م ، في الأصل : طمعوا ] من المنافع كقوله : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف )الآية[ الحج : 11 ] .
هذا وصف المنافق . وأما المؤمن المحقق للإيمان المخلص للإسلام فإنه يسلم نفسه لله في جميع أحواله ، وإن كان فيه تلف نفسه ، لما لم تكن عبادة الله على حرف ووجه كالمنافق ، ولكن على الوجوه كلها والأحوال جميعا . عبادته تكون لله ، لا يمنعه خوف الهلاك عن القتال ، بل نفسه تسخو لذلك ، وترضى ، ولا كذلك المنافق ، وقد ذكرنا أن حرف الاستفهام من الله يكون على الإيجاب والإلزام .
ثم قوله : ( أم حسبتم ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أي قد حسبتم أن تتركوا على ما أظهرتم من الموافقة /209-أ/ والخلاف في السر ، ولا [ تبتلوا ، ولا تمتحنوا بما ][ في الأصل وم : تبتلون وتمتحنون ما ] يظهر عنكم مما أضمرتم ، فلا تحسبوا ذلك .
والثاني : ( أم حسبتم ) أي لا تحسبوا أن تتركوا على ذلك ، ولا تمتحنوا بالجهاد والقتال .
أحد التأويلين يخرج على النهي ، والثاني على الإخبار عما حسبوا وعما عندهم .
ثم قوله : ( ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) أي ليعلم من قد علم أنه يجاهد مجاهدا ، ويعلم ما قد علم أنه يكون كائنا على على حدوث علمه بذلك ؛ إذ هو موصوف بالعلم بكل ما يكون على ما يكون ، فيكون قوله : ( حتى نعلم المجاهدين )[ محمد : 31 ] من كذا [ وقوله ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( ويعلم الصابرين )[ آل عمران : 142 ] من كذا : أي ليعلم من قد علم أنه يجاهد مجاهدا ، وليعلم ما قد علم أنه يكون كائنا لأنه لا يجوز أن يوصف الله بالعلم بما ليس يكون أنه يعلمه كائنا كما لا يجوز أن يوصف أنه يعلم من الجالس القيام في حال جلوسه ، ومن المتحرك السكون في حال حركته ، ومن المتكلم السكوت في حال كلامه ، إنما يوصف بالعلم على الحال التي الخلق عليها ، لا يوصف بالعلم في حال غير الحال التي هو عليه ، والله الموفق .
ويحتمل هذا وجها آخر : أن في ما أضاف العلم إلى نفسه كان المراد منه أولياءه كقوله : ( إن تنصروا الله ينصركم )[ محمد : 7 ] أي إن تنصروا أولياءه[ من م ، في الأصل : أولياء ] ينصركم ، أو إن تنصروا دينه ينصركم ، أو إن تنصروا رسوله ينصركم . فعلى ذلك قوله : ( ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) أي ليعلم أولياءه[ من م ، في الأصل : أوليائه ] المنافق المرائي والمؤمن المحقق[ الإيمان ][ ساقطة من الأصل وم ] المخلص ، وليبين لهم ، وقوله[ في الأصل وم : وكقوله ] : ( يخادعون الله )[ البقرة : 9 ] أي يخادعون أولياءه ؛ إذ الله لا يخادع ، ولا ينصر ؛ إذ هو ناصر كل أحد ، ولا يخفى عليه شيء ، عالم بما يكون ، أو أن يكون المراد من العلم الذي ذكر المعلوم . وذلك جائز في اللغة جار ، وفي القرآن كثير .
وقوله تعالى : ( وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) أي لم يجدوا ملجأ يلجؤون إليه من دون ما ذكر . ولو وجدوا ذلك لاتخذوا ذلك ، ولكن لما لم يجدوا كقوله : ( ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفترون ) ( لو يجدون ملجأ )الآية[ التوبة : 56و57 ] أخبر أنهم لو وجدوا ملجأ يلجؤون إليه ( لولوا إليه )[ التوبة : 57 ] ولا يظهرون ذلك .
وقوله تعالى : ( وليجة ) قال بعض أهل الأدب : الوليجة البطانة من غير المسلمين . وأصلها من الولوج ، وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين وخليطا وودا ، وجمعه الولائج .
وقال البعض : الوليجة : أصلها من الدخول كقوله : ( حتى يلج الجمل من سم الخياط )[ الأعراف : 40 ] يقال أيضا : فلان [ وليجة فلان ][ من م ، ساقطة من الأصل ] : أي خاصته . وقال بعضهم : الوليجة الخيانة . وقال بعضهم : الوليجة ما يلجأ [ إليه ][ ساقطة من الأصل وم ] . وقال بعضهم : كل شيء أدخله في شيء ، ليس منه ، فهو وليجة . وبعضه قريب من بعض .
[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( والله خبير بما تعلمون ) هو [ على ][ ساقطة من الأصل وم ] الوعيد خرج .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.