النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص

مكية في قول ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة وجابر{[1]} . ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي .

بسم الله الرحمان الرحيم

قوله تعالى : { قُلْ هُو اللهُ أَحَدٌ } اختلف في سبب نزول هذه الآية على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : هذا الله خَلَق الخلْق ، فمن خلَقَ الله ؟ فنزلت هذه السورة جواباً لهم ، قاله قتادة .

الثاني : أن مشركي قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ، فأنزل الله هذه السورة{[3372]} ، وقال : يا محمد انسبني إلى هذا ، وهذا قول أُبي بن كعب .

الثالث : ما رواه أبو روق عن الضحاك أن المشركين أرسلوا عامر بن الطفيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : قل له : شققت عصانا ، وسببت آلهتنا ، وخالفت دين آبائك ، فإن كنت فقيراً أغنيناك ، وإن كنت مجنوناً داويناك ، وإن هويت امرأة زوجناكها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لست بفقير ، ولا مجنون ، ولا هويت امرأة ، أنا رسول الله إليكم ، أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادته " ، أرسلوه ثانية وقالوا له : قل له : بيّن لنا جنس معبودك ، فأنزل الله هذه السورة ، فأرسلوه ثالثة وقالوا : قل له : لنا ثلاثمائة وستون صنماً لا تقوم بحوائجنا ، فكيف يقوم إله واحِد بحوائج الخلق كلهم ؟ فأنزل الله سورة الصافات إلى قوله { إن إلهكم لواحد } يعني في جميع حوائجكم ، فأرسلوه رابعة وقالوا : قل له : بيّن لنا أفعال ربك ، فأنزل الله تعالى : { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض } الآية ، وقوله { الذي خلقكم ثم رزقكم } .

{ قل هو الله أحد } خرج مخرج جواب السائل عن الله تعالى ، فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم :{ قل هو اللهُ أحَدٌ } ، والأحد : هو المتفرد بصفاته ، الذي لا مِثل له ، ولا شبه .

فإن قيل : فلم قال " أحَدٌ " على وجه النكرة ، ولم يقل الأحَدُ ؟ قيل عنه جوابان :

أحدهما : أنه حذف لام التعريف على نية إضمارها ، فصارت محذوفة في الظاهر ، مثبتة في الباطن ، ومعناه : قل هو الله الأحد .

الثاني : أنه ليس بنكرة ، وإنما هو بيان وترجمة ، قاله المبرد .

فأما الأحد والواحد ففيهما وجهان :

أحدهما : أن الأحد لا يدخل العدد ، والواحد يدخل في العدد ؛ لأنك تجعل للواحد ثانياً ، ولا تجعل للأحد ثانياً .

الثاني : أن الأحد يستوعب جنسه ، والواحد لا يستوعب ؛ لأنك لو قلت : فلان لا يقاومه أحد ، لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر ، فصار الأحد أبلغ من الواحد .

وفي تسميتها بسورة الإخلاص ثلاثة أوجه :

أحدها : لأن في قراءتها خلاصاً من عذاب الله .

الثاني : لأن فيها إخلاصا لله من كل عيب ومن كل شريك وولد ، قاله عبد الله ابن المبارك .

الثالث : لأنها خالصة لله ، ليس فيها أمر ولا نهي .


[1]:- ذكر العلماء لفاتحة الكتاب اثنى عشر اسما هي: فاتحة الكتاب وأم القرآن وأم الكتاب وسورة الصلاة وسورة الحمد والسبع المثاني والقرآن العظيم والشفاء والرقية والأساس والوافية والكافية، والحديث عند أبي داود رقم 1457 والترمذي رقم 3320.
[3372]:أخرجه الترمذي والحاكم وابن خزيمة.