النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (67)

قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } أوجب الله تعالى بهذه الآية على رسوله تبليغ ما أنزل عليه من كتابه سواء كان حكماً ، أو حداً{[815]} ، أو قصاصاً ، فأما تبليغ غيره من الوحي فتخصيص وجوبه : بما يتعلق بالأحكام دون غيرها .

ثم قال تعالى : { وَإِن لَّمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } يعني إن كتمت آية مما أنزل عليك فما بلغت رسالته لأنه [ يكون ] ، غير ممتثل لجميع الأمر .

ويحتمل وجهين آخرين .

أحدهما : أن يكون معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك فيما وعدك من النصر ، فإن لم تفعل فما بلغت حق رسالته فيما{[816]} كلفك من الأمر ، لأن استشعار النصر يبعث على امتثال الأمر .

والثاني : أن يكون معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك بلاغاً يوجب الانقياد إليه بالجهاد عليه ، وإن لم تفعل ما يقود إليه من الجهاد عليه فما بلغت ما عليك من حق الرسالة إليك .

{ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } يعني أن ينالوك بسوء من قتل أو غيره . واختلف أهل التفسير في سبب نزول ذلك على قولين :

أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً في سفره واستظل بشجرة يقيل تحتها ، فأتاه أعرابي{[817]} فاخترط سيفه ثم قال : من يمنعك مني ؟ فقال : الله ، فرعدت يد الأعرابي وسقط سيفه وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه ، فأنزل الله تعالى : { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ منَ النَّاسِ } ، قاله محمد بن كعب القرظي .

والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهاب قريشاً ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، قاله ابن جريج .

وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُحْرَس حتى نزلت هذه الآية { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة وقال : يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله .

{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ } فيه تأويلان :

أحدهما : لا يعينهم على بلوغ غرضهم .

والثاني : لا يهديهم إلى الجنة .


[815]:- في الأصول أو حدلا ولا معنى له.
[816]:- في ك: فما.
[817]:- ذكر البخاري هذا الخبر في غزوة ذات الرقاع وقد مر في تفسير قوله تعالى: إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم (آية 11).