بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (67)

قوله تعالى :

{ يا أيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى الإسلام فجعلوا يستهزئون به ويقولون : إنك تريد أن نتخذك حَنَّاناً كما اتخذت النصارى عيسى عليه السلام ، فلما رأى ذلك سكت عنهم . فأمره الله أن يدعوهم ولا يمنعه عن ذلك تكذيبهم إياه فقال : { يَعْمَلُونَ يا أيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } يعني : من القرآن { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ } إن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } يعني : كأنك لم تبلغ شيئاً من رسالته ، لأنه أمر بتبليغ جميع الرسالة . فإذا ترك البعض صار بمنزلة التارك للكل . كما أن من جحد آية من كتاب الله تعالى صار جاحداً للجميع ، ويقال : { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } يعني : فما بلغت المبلغ الذي تكون رسولاً وروى «سمرة بن جندب » ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمُ فَإنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَدْ قَصَّرْتُ عَنْ شَيْءٍ مَنْ تَبْلِيغِ رِسَالاتِ رَبِّي فَأَخْبِرُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالاتِ رَبِّي كَمَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُبَلَّغَ " فقام الناس ، فقالوا : نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لأمتك ، وقضيت الذي عليك . وروى مسروق عن عائشة قالت : من حَدّثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي ، فقد كذب . ثم قرأت { يَعْمَلُونَ يا أيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } الآية .

ثم قال : { والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } يعني : اليهود ويقال : كيد الكفار . وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرسه أصحابه بالليل ، حتى نزلت هذه الآية فخرج إليهم وقال : " لا تَحْرُسُونِي فَإنَّ الله قَدْ عَصَمَنِي مِنَ النَّاسِ "

ثم قال : { إِنَّ الله لا يَهْدِي القوم الكافرين } يعني : لا يرشدهم إلى دينه ، ويقال : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا أُبَالِي مَنْ خَذَلَنِي مِنَ اليَهُودِ وَمَنْ نَصَرَنِي " قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر . { فَمَا بَلَّغْتَ رسالاته } بلفظ الجماعة . وقرأ الباقون : { يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } بلفظ الواحد يغني عن الجماعة .