قوله سبحانه : { يا أيها الرسول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ . . . }[ المائدة :67 ] . هذه الآية أمْرٌ مِنَ اللَّه تعالى لنبيِّه عليه السلام بالتبليغِ على الاستيفاء والكمالِ ، لأنه قد كان بَلَّغ صلى الله عليه وسلم ، وإنما أُمِرَ في هذه الآيةِ بِأَن لاَّ يتوقَّفَ عن شَيْء مخافةَ أحَدٍ ، وذلك أنَّ رسالته عليه السلام تضمَّنت الطَّعْنَ على أنواع الكَفَرة ، وبيانَ فسادِ حالِهِم ، فكان يلقى منهم صلى الله عليه وسلم عَنَتاً ، وربَّما خافهم أحياناً قبل نزول هذه الآية ، فقال الله تعالى له : { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } أيْ : كاملاً ، { والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } ، قالتْ عائشةُ أمُّ المؤمنين ( رضي اللَّه عنها ) : ( مَنْ زَعَمَ أنَّ محمداً كَتَمَ شيئاً مِنَ الوَحْيِ ، فقد أَعْظَم الفريةَ ، واللَّه تعالى يقولُ : { يا أيها الرسول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ . . . } ، وقال عبدُ اللَّهِ بنُ شَقِيقٍ : كان رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتعقبه أصحابُهُ يحْرُسُونه ، فلما نزلَتْ : { والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } خرَجَ فقَالَ : ( يَا أَيُّها النَّاسُ ، الحقوا بِمَلاَحِقِكُمْ ، فَإنَّ اللَّهَ قَدْ عَصَمَنِي ) قلْتُ : وخرَّج الترمذيُّ هذا الحديثَ أيضاً من طريق عائشة ، وكما وجَبَ عليه التبليغُ عليه السلام ، وجب على علماءِ أمته ، وقد قال عليه السلام : ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَة ) ، وعن زيدِ بنِ ثابتٍ ( رضي اللَّه عنه ) قَالَ : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( نَضَّرَ اللَّهُ امرأ سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً ، فَحَفِظَهُ حتى يُبَلِّغَهُ ، فَرُبَّ حَامِلٍ فِقْهٍ إلى مَنْ لَيْسَ بِفَقِيةٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ) ، رواه أبو داود ، واللفظ له ، والترمذيُّ والنسائي ، وابنُ ماجة ، وابن حِبَّانَ في «صحيحِهِ » ، وقال التِّرمذيُّ : هذا حديثٌ حسنٌ ، ورواه مِنْ حديث ابن مسعود ، وقال : حسنٌ صحيحٌ ، انتهى من «السلاح » .
وقال محمد بن كَعْبٍ القُرَظِيُّ : نزلَتْ هذه الآيةُ بسبب الأعرابيِّ الذي اخترط سيْفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ليقتُلَهُ به .
قال ابنُ العربيِّ : قوله تعالى : { والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } معناه : يَجْعَلْ بينَكَ وبينهم حجاباً يمنع من وصُولِ مكروههم إلَيْك ، كَعِصَامِ الْقِرْبَةِ الذي يَمْنَعُ سَيَلاَنَ الماءِ منها ، ولعلمائنا في الآية تأويلاتٌ .
أصحها : أنَّ العصمة عامَّة في كلِّ مكروهٍ ، وأنَّ الآية نزلَتْ بعد أنْ شُجَّ وجهه ، وكُسِرَتْ ربَاعِيَتُهُ صلى الله عليه وسلم .
وقيل : إنه أراد مِنَ القتل خاصَّة ، والأول أصحُّ ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أُوتِيَ بَعْضَ هذه العَصْمَةِ بمكَّة في قوله تعالى : { إِنَّا كفيناك المستهزءين }[ الحجر :95 ] ثم كمُلَتْ له العصْمَةُ بالمدينةِ ، فعُصِمَ من النَّاس كلِّهم ، انتهى من كتابه في تفسير أفعال اللَّه الواقعة في القرآن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.