تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (67)

عصمه الله : حفِظه ووقاه ومنعه من السوء .

يا أيها الرسول ، بلّغْ الناس جميعاً بكل ما أوحي الله إليك ، ولا تخشَ في ذلك أحداً ولا تخفْ مكروهاً ، فإن لم تقم بالتبليغ تكن قد خالفت أمر ربك . إن الله يحفظك من مكائد الناس ويمنعك من أذاهم وفتكهم .

وهذه الآية مكيَّة نزلت في مكة ، ولكنها وضعت في السورة المدنية لحكمة دوام التبليغ . فقد روى الترمذي وأبو الشيخ والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن عدد من الصحابة . «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُحرَس في مكة قبل نزول هذه الآية ، وكان العبّاس ممن يحرسه ، فلمّا نزلت ترك رسول الله الحرس » .

وروي أن أبا طالب كان يبعث مع رسول الله من يحرسه إذا خرج حتى نزل قوله تعالى { والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } فذهب ليبعث معه ، فقال الرسول : يا عم ، إن الله حفظني ، لا حاجةَ بي إلى من تبعث » .

وقد صدَعَ رسولُ الله عليه الصلاة والسلام بالأمر وبلّغ الرسالة جميعها ، وبيّن للناس كلّ شيء ولم يخصَّ أحداً بشيء من علم الدّين ، فلا مجال لرأي بعض الفرق الإسلامية بصدد ذلك .

قال ابن أبي حاتم أن هارون بن عنترة الشيباني أخبره أن أباه قال : كنت عند ابن عباس ، فجاء رجل فقال له : إن ناساً يأتوننا فيخبروننا أن عندكم شيئاً لم يُبدِه رسولُ الله للناس . فقال ابن عباس : ألم تعلم أن الله تعالى قال { يا أيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } واللهِ ما ورّثنا رسولُ الله سوداء في بيضاء .

وفي صحيح البخاري عن أبي جحيفة قال : قلت لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقال : لا والذي فَلَق الحبّة وبَرأَ النَّسمة ، إلاّ فَهْماً يعطيه الله رجلاً في القرآن وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العَقْلُ ، وفكاكُ الأسير ، وأن لا يقتَل مُسلم بكافر .

هذا كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال في خطبة الوداع «أيها الناس ، إنكم مسئولون عَنّي ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت . فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها إليهم ويقول : اللهم هل بلّغت » .

{ إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين } ، إن الله تعالى لا يهدي الكافرين الذي هم بصدد إيذائك يا محمد ، بل سيظلون خائبين ، وتتم كلماتُ الله تعالى حتى يكمُل بها الدين .

قراءات :

قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر «رسالاته » بالجمع ، والباقون «رسالته » .