{ يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين } تذكير للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأمانة تبليغ كافة ما أوحاه إليه مولاه جل علاه ؛ وعن ابن عباس : إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته ؛ - وهذا تأديب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئا من أمر شريعته ، وقد علم الله تعالى من أمر نبيه أنه لا يكتم شيئا من وحيه ؛ فدلت الآية على رد قول من قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من أمر الدين تقية ، وعلى بطلانه ، وهم الرافضة( {[1818]} )- ، ودلت على أنه صلى الله عليه وسلم لم يسر إلى أحد شيئا من أمر الدين ، لأن المعنى : بلغ جميع ما أنزل إليك ظاهرا ، ولولا هذا ما كان في قوله عز وجل : { وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } فائدة-( {[1819]} ) في صحيح مسلم عن مسروق عن عائشة أنها قالت : من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب ؛ والله تعالى يقول : { يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } وقبح الله الروافض( {[1820]} ) حيث قالوا : إنه صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أوحى الله إليه كان بالناس حاجة إليه ؛ وفي صحيح البخاري عن وهب بن عبد الله السوائي قال : قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : هل عندكم من الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقال : لا ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ، وما في هذه الصحيفة ؛ قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل( {[1821]} ) ، وفكاك الأسير ، وان لا يقتل مسلم بكافر ؛ وفي الصحيحين عن عائشة أنها قالت : لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من القرآن لكتم هذه الآية : ( . . وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه . . ) ( {[1822]} ) ؛ وقال البخاري : قال الزهري : من الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم ، وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة ، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع ، وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفا ، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يومئذ : " أيها الناس إنكم مسئولون عني فما أنتم قائلون " ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكسها إليهم ، ويقول : " اللهم هل بلغت " ؟ ! { والله يعصمك من الناس } لا تبال بكثرة مخالفيك ، ولا يهولنك مكرهم ، فإن الله تعالى كافيك ، ودافع عنك مكروه كل من يتقى مكروهه- ثم إن الله سبحانه وعده بالعصمة من الناس دفعا لما يُظن أنه حامل على كتم البيان ، وهو خوف لحوق الضرر من الناس ، وقد كان ذلك بحمد الله ، فإنه بين لعباد الله ما أنزل إليهم على وجه التمام ، ثم حمل من أبى من الدخول في الدين على الدخول فيه طوعا أو كرها . . . وهكذا من سبقت له العناية من علماء هذه الأمة يعصمه الله من الناس ، إن قام ببيان حجج الله ولإيضاح براهينه ، وصرخ بين ظهراني من ضاد الله وعانده ولم يمتثل لشرعه كطوائف المبتدعة ، وقد رأينا من هذا في أنفسنا( {[1823]} ) وسمعنا منه في غيرنا ما يزيد المؤمن إيمانا وصلابة في دين الله ، وشدة شكيمة في القيام بحجة الله ، وكل ما يظنه متزلزلوا الأقدام ومضطربوا القلوب من نزول الضرر بهم وحصول المحن عليهم فهو خيالات مختلفة ، وتوهمات باطلة ، فإن كل محنة في الظاهر هي محنة في الحقيقة ، لأنها لا تأتي إلا بخير في الأولى والأخرى ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) ( {[1824]} ) ؛ قوله : { إن الله لا يهدي القوم الكافرين } جملة متضمنة لتعليل ما سبق من العصمة ، أي : إن الله لا يجعل لهم سبيلا إلى الإضرار بك ، فلا تخف ، وبلغ ما أمرت بتبليغه-( {[1825]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.