النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓ إِذۡ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٖ مِّن شَيۡءٖۗ قُلۡ مَنۡ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِۦ مُوسَىٰ نُورٗا وَهُدٗى لِّلنَّاسِۖ تَجۡعَلُونَهُۥ قَرَاطِيسَ تُبۡدُونَهَا وَتُخۡفُونَ كَثِيرٗاۖ وَعُلِّمۡتُم مَّا لَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنتُمۡ وَلَآ ءَابَآؤُكُمۡۖ قُلِ ٱللَّهُۖ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِي خَوۡضِهِمۡ يَلۡعَبُونَ} (91)

قوله عز وجل : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } فيه أربعة تأويلات :

أحدها : وما عظموه حق عظمته ، قاله الحسن ، والفراء ، والزجاج .

والثاني : وما عرفوه حق معرفته ، قاله أبو عبيدة{[914]} .

والثالث{[915]} : وما وصفوه حق صفته ، قاله الخليل .

والرابع : وما آمنوا بأن الله على كل شيء قدير ، قاله ابن عباس .

{ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ } يعني من كتاب من السماء .

وفي هذا الكتاب الذي أنكروا نزوله قولان :

أحدهما : أنه التوراة ، أنكر حبر اليهود فيما أنزل منها ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هذا الحبر اليهودي سميناً ، فقال له : " أَمَا تَقْرَؤونَ فِي التَّورَاةِ : إنَّ اللَّه يَبْغَضُ الحبْرَ السَّمِينَ " فغضب من ذلك وقال : ما أنزل الله على بشر من شيء ، فتبرأت منه اليهود ولعنته ، حكاه ابن بحر .

والقول الثاني : أنه القرآن أنكروه رداً لأن يكون القرآن مُنَزَّلاً .

وفي قائل ذلك قولان :

أحدهما : قريش .

والثاني : اليهود .

فرد الله تعالى عليهم بقوله : { قُل مَنْ أَنْزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَى } يعني التوراة لاعترافهم بنزولها .

ثم قال : { نُوراً وَهُدىً لِّلنَّاسِ } لأن المنزل من السماء لا يكون إلا نوراً وهدىً .

ثم قال : { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } يعني أنهم يخفون ما في كتابهم من بنوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وصفته وصحة رسالته .


[914]:- في ق: قاله بعض المفسرين. وذكر النحاس أن هذا المعنى حسن لأن معنى قدرت الشيء وقدرته: عرفت مقداره.
[915]:- سقط من ق.