المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (16)

16- لا تظنوا - أيها المؤمنون - أن يترككم الله تعالى دون اختبار لكم بالجهاد ونحوه . إن من سنته تعالى الاختبار ، ليظهَر علمه بالذين جاهدوا منكم مخلصين ، ولم يتخذوا سوى الله ورسوله والمؤمنين بطانة وأولياء ، والله عليم بجميع أعمالكم ، ومجازيكم عليها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (16)

{ أم } في هذه الآية ليست المعادلة ، وإنما هي المتوسطة في الكلام ، وهي عند سيبويه التي تتضمن إضراباً عن اللفظ لا عن معناه ، واستفهاماً فهي تسد مسد بل وألف الاستفهام ، وهي التي في قولهم : «أنها لإبل أم شاء » التقدير بل أهي شاء ، وقوله { أن تتركوا } يسد عند سيبويه مسد مفعولي «حسب » ، وقال المبرد : «أن » وما بعدها مفعول أول والثاني محذوف .

قال القاضي أبو محمد : كان تقديره مهملين أو سدى ونحو ذلك ، وقوله { ولما } هي دخلت على لم وفيها مبالغة ، ومعنى الآية أظننتم أن تتركوا دون اختبار وامتحان ؟ ف { لما } في هذه الآية بمنزلة قول الشاعر [ الفرزدق ] : [ الطويل ]

بأيدي رجال لم َيشيموا سيوفهم*** ولم تكثر القتلى بها حين سُلَّتِ{[5552]}

قال القاضي أبو محمد : والمراد بقوله { ولما يعلم } لما يعلم ذلك موجوداً كما علمه أزلاً بشرط الوجود ولما يظهر فعلكم واكتسابكم الذي يقع عليه الثواب والعقاب ففي العبارة تجوز وإلا فحتم أنه قد علم الله في الأزل الذين وصفهم بهذه الصفة مشروطاً وجودهم ، وليس يحدث له علم{[5553]} تبارك وتعالى عن ذلك ، و { وليجة } معناه بطانة ودخيلة ، وقال عبادة بن صفوان الغنوي : [ الطويل ]

ولائجهم في كل مبدىً ومحضر*** إلى كل من يرجى ومن يتخوفُ{[5554]}

وهو مأخوذ من الولوج ، فالمعنى أمراً باطناً مما ينكره الحق ، وهذه الآية مخاطبة للمؤمنين معناها أنه لا بد من اختبارهم فهي كقوله { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم }{[5555]} وكقوله { ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }{[5556]} وفي هذه الآية طعن على المنافقين الذين اتخذوا الولائج لا سيما عندما فرض القتال ، وقرأ جمهور الناس «والله خبير بما تعملون » بالتاء على المخاطبة ، وقرأ الحسن ويعقوب في رواية رويس وسلام بالياء على الحكاية عن الغائب .


[5552]:- الشاعر هو الفرزدق، والبيت في المدح، وكلمة (شام) من الأضداد، يقال: شام السيف شيما: سلّه وأغمده، والمراد هنا الإغماد، والواو في قوله: (ولم تكثر) واو الحال، أي: لم يغمدوها والقتلى بها لم تكثر، وإنما يغمدونها بعد أن تكثر القتلى، ومن الشواهد الواضحة على أن شام بمعنى أغمد قول الطرماح: وقد كنت ِشمُت السيف بعد استلاله وحاذرت يوم الوعد ما قيل في الوعد
[5553]:- نص هذه الجملة في بعض النسخ: "وليس يحدث أنه علم".
[5554]:- الولائج: جمع وليجة وهو بطانة الرجل وخاصته، والمبدى خلاف المحضر، قاله في اللسان، وقال: البدو والبادية والبداة والبداوة: خلاف الحضر، وفي الحديث: (من بدا جفا)، أي: من نزل البادية صار فيه جفاء الأعراب، والرجاء ضد الخوف، يقول: إن بطانتهم من كل نوع، من البدو، ومن الحضر، فهم موضع القصد من الجميع. وهم موضع الرجاء والخوف.
[5555]:- من الآية (214) من سورة (البقرة).
[5556]:- الآيتان (1، 2) من سورة (العنكبوت).