جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (16)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين الذين أمرهم بقتال هؤلاء المشركين ، الذين نقضوا عهدهم الذي بينهم وبينه بقوله : قاتِلوُهُمْ يُعْذّبْهُمُ اللّهُ بأيْديكُمْ . . . الآية ، حاضّا على جهادهم : أم حسبتم أيها المؤمنون أن يترككم الله بغير محنة يمتحنكم بها وبغير اختبار يختبركم به ، فيعرف الصادق منكم في دينه من الكاذب فيه . وَلمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جاهَدُوا يقول : أحسبتم أن تتركوا بغير اختبار يعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله ، من المضيعين أمر الله في ذلك المفرّطين . ولَمْ يَتّخِذُوا مِنْ دُون اللّهِ وَلا رَسُولِهِ يقول : ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ، والذين لم يتخذوا من دون الله ولا من دون رسوله ، ولا من دون المؤمنين وَلِيجَةً هو الشيء يدخل في آخر غيره ، يقال منه : ولج فلان في كذا يَلِجُهُ فهو وليجة . وإنما عنى بها في هذا الموضع : البطانة من المشركين ، نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوّهم من المشركين أولياء يفشون إليهم أسرارهم . وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ يقول : والله ذو خبرة بما تعملون من اتخاذكم من دون الله ودون رسوله والمؤمنين به أولياء وبطانة بعد ما قد نهاكم عنه ، لا يخفى ذلك عليه ولا غيره من أعمالكم ، والله مجازيكم على ذلك إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا .

وبنحو الذي قلت في معنى الوليجة قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَلا المُؤمِنِينَ وَلِيجَةَ يتولجها من الولاية للمشركين .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع : وَلِيجَةً قال : دَخَلاً .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تُتْرَكُواإلى قوله : ولِيَجَةً قال : أبي أن يعدهم دون التمحيص ، وقرأ : أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنّةَ وَلمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وقرأ : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم وَلمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ . . . الاَيات كلها ، أخبرهم أن لا يتركهم حتى يمحصهم ويختبرهم ، وقرأ : الم أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ لا يختبرون وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلْيَعْلَمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا وَلْيَعْلَمَنّ الكاذِبِينَ أبى الله إلا أن يمحص .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : وَلِيجَةً قال : هو الكفر والنفاق ، أو قال أحدهما .

وقيل : أمْ حَسِبْتُمْ ولم يقل : «أحسبتم » ، لأنه من الاستفهام المعترض في وسط الكلام ، فأدخلت فيه «أم » ليفرق بينه وبين الاستفهام المبتدأ وقد بيّنت نظائر ذلك في غير موضع من الكتاب .