تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (16)

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( 16 ) }

المفردات :

ولما يعلم الله : لما : حرف يفيد نفي وقوع الفعل إلى زمن المتكلم مع توقع و قوعه في المستقبل ، والمراد أنه إلى الآن لم يتحقق وقوع الجهاد منكم ؛ لعدم حصوله وقت نزول الآية ، ولكنه ينتظر وقوعه وفق ما في علم الله .

وليجة : الوليجة : الصديق الذي تطلعه على سرك وخفايا أمرك من الولوج وهو الدخول ، ويطلق عليه : لفظ بطانة أيضا ؛ لأنك تباطنه بأسرارك .

التفسير :

16- { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ منكم . . . } الآية .

هذه الآية مرتبطة بما قبلها ، والمعنى فيما سبق : ألا تقاتلون أولئك المشركين الذين نقضوا العهود واعتدوا عليكم ، وهموا بإخراج الرسول . . . إلى آخر ما ذكر ، وهنا يبين بعض الحكم التي من أجلها شرع الجهاد .

ومعنى الآية :

أم حسبتم أيها المؤمنون أن تتركوا وشأنكم مهملين ، بغير اختبار بأمور يظهر فيها أهل العزم الصادق من الكاذب ، من طريق الجهاد الذي يتبين فيه المخلصون ، المجاهدون بالنفس والمال ، والذين لم يتخذوا بطانة من الكفار أولياء ، يسرون إليهم بأحوال المسلمين وأمورهم وأسرارهم . بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله ولرسوله ، متميزين عن المنافقين الذين يطلعون الولائج على أسرار الأمة وسياستها ، وقد اكتفى بأحد القسمين عن الآخر ؛ للعلم به ضمنا .

قال الجصاص : قوله : { ولم يتخذوا . . . وليجة } يقتضي لزوم اتباع المؤمنين ، وترك العدول عنهم ، كما يلزم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم .

وفيه دليل على لزوم حجة الإجماع ، وهو كقوله : ومن يشاقق الرسول . . . ( النساء : 115 ) .

وقال ابن جرير : وليجة أي : بطانة ومداخلة من الولوج في الشيء أي : الدخول فيه .

وإنما عنى بها في هذا الموضع : البطانة من المشركين ، نهى الله أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء ، يفشون إليهم أسرارهم .

{ والله خبير بما تعملون } أي : أن علمه شامل لجميع أعمالكم فيجازيكم عليها ؛ فهو سبحانه مطلع على كل شيء ، محيط به علما ، ونظير الآية في الاختبار قوله تعالى : { الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } . ( العنكبوت : 1 - 3 ) .

وقال عز شأنه :

{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } . ( آل عمران : 142 ) .

ونظير الآية في النهي عن اتخاذ الوليجة أو البطانة قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } . ( آل عمران : 117 ) .

والخلاصة : أن الله تعالى لما شرع لعباده الجهاد ، بين حكمته ، وهي اختبار عبيده ، ومن يطيعه ممن يعصيه ، وهو سبحانه قبل ذلك وبعده العالم بما كان ، وما يكون وما لم يكن ، ويتبين من الآية أن الله تعالى عالم بالنيات والأغراض ، مطلع عليها ، لا تخفي عليه خافية ؛ فعلى الإنسان التركيز على أمر النية ، وجعلها خالصة لوجه الله .