الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (16)

قوله { أَمْ حَسِبْتُمْ } أظننتم ، وإنما دخل الميم لأنه من الاستفهام المعترض بين الكلام فأُدخلت فيه أم ليفرّق بينه وبين الاستفهام والمبتدأ ، واختلفوا في المخاطبين بهذه الآية : قال الضحاك عن ابن عباس قال : يعني بها قوماً من المنافقين كانوا يتوسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج معه للجهاد دفاعاً وتعذيرا والنفاق في قلوبهم .

وقال سائر المفسرين : الخطاب للمؤمنين حين شقّ على بعضهم القتال وكرهوه فأنزل الله تعالى { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } ولا تُؤمروا بالجهاد ولا تُمتحنوا ليظهر الصادق من الكاذب ، والمطيع من العاصي { وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ } في تقدير الله ، والألف صلة { جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً } بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم ، وقال قتادة وليجة : خيانة وقال الضحّاك : خديعة ، وقال ابن الأنباري : الوليجة قال : خيانة ، والولجاء الدخلاء ، وقال الليثي : خليطاً ورِدأً .

وقال عطاء : أولياء ، وقال الحسن : هي الكفر والنفاق ، وقال أبو عبيدة : كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة ، والرجل يكون في القوم وليس منهم وليجة ، وأصله من الولوج ومنه سمي ( الكناس ) الذي يلج فيه الوحش تولجاً . قال الشاعر :

من زامنها الكناس تولّجاً

فوليجة الرجل من يختصه بدخلة منها دون الناس يقال : هو وليجتي وهم وليجتي للواحد وللجميع . وأنشد أبان بن تغلب :

فبئس الوليجة للهاربين *** والمعتدين وأهل الريب

{ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } قراءة العامة بالتاء متعلق بالله بقوله : { أَمْ حَسِبْتُمْ } وروى الحسن عن أبي عمرو بالياء ومثله روى عن يعقوب أيضاً .