227- لكن الذين اهتدوا بهدى الله وعملوا الصالحات حتى تمكنت فيهم ملكات فاضلة ، وذكروا الله كثيراً حتى تمكنت خشيته من قلوبهم ، هؤلاء يجعلون الشعر كالدواء يصيب الداء ، وينتصرون لدينهم وإقامة الحق إذا جير على الحق ، وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وهجاء الرسول أي مرجع من مراجع الشر والهلاك يرجعون إليه .
قوله تعالى : { وأنهم يقولون ما لا يفعلون } أي يكذبون في شعرهم ، يقولون : فعلنا وفعلنا ، وهم كذبة .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن المجعد ، أنبأنا شعبة عن الأعمش ، عن ذكوان ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً " . ثم استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجيبون شعراء الجاهلية ، ويهجون الكفار ، وينافحون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منهم : حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، فقال :
قوله تعالى : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو الحسين علي بن عبد الله بن بشران ، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أنزل في الشعر ما أنزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل " .
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أنبأنا الهيثم بن كليب ، أنبأنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا إسحاق بن منصور ، أنبأنا عبد الرزاق ، أنبأنا جعفر بن سليمان ، حدثنا ثابت ، عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه ويقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله *** اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله *** ويذهل الخليل عن خليله
فقال له عمر : يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خل عنه يا عمر ، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا شعبة ، أخبرني عدي أنه سمع البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان : " اهجهم أو هاجهم وجبريل معك " .
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنبأنا أبو القاسم الخزاعي ، أنبأنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري وعلي بن حجر المعنى واحد قالا : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يؤيد حسان بروح القدس ، ما ينافح أو يفاخر عن رسول الله " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ، حدثني أبي عن جدي ، حدثنا خالد بن زيد ، حدثني سعيد بن أبي هلال عن عمارة بن غزية ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اهجوا قريشاً فإنه أشد عليهم من رشق النبل ، فأرسل إلى ابن رواحة فقال : أهجهم ، فهجاهم فلم يرض ، فأرسل إلى كعب بن مالك ، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت ، فلما دخل عليه قال حسان : قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه ، فجعل يحركه ، فقال : والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعجل ، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها ، وإن لي فيهم نسباً حتى يخلص لك نسبي ، فأتاه حسان ثم رجع ، فقال : يا رسول الله قد خلص لي نسبك ، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين . قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان : إن روح القدس لا يزال يؤيدك ، ما نافحت عن الله ورسوله ، وقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هجاهم حسان فشفى واشتفى " قال حسان :
هجوت محمداً فأجبت عنه *** وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمداً براً حنيفاً *** رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالدتي وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاء
فمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا *** وروح القدس ليس له كفاء
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد ابن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب عن الزهري ، أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أن مروان بن الحكم أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من الشعر لحكمة " . قالت عائشة رضي الله عنها : الشعر كلام ، فمنه حسن ، ومنه قبيح ، فخذ الحسن ودع القبيح .
وقال الشعبي : كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يقول الشعر ، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول الشعر ، وكان علي رضي الله تعالى عنه أشعر الثلاثة . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده ، فروي أنه دعا عمر بن أبي ربيعة المخزومي فاستنشده القصيدة التي قالها فقال :
أمن آل نعمى أنت غاد فمبكر *** غداة غد أم رائح فمهجر
فأنشده ابن أبي ربيعة القصيدة إلى آخرها ، وهي قريبة من سبعين بيتاً ، ثم إن ابن عباس أعاد القصيدة جميعها ، وكان حفظها بمرة واحدة . { وذكروا الله كثيراً } أي : لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ، { وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال مقاتل : انتصروا من المشركين ، لأنهم بدؤوا بالهجاء . ثم أوعد شعراء المشركين فقال : { وسيعلم الذين ظلموا } أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم { أي منقلب ينقلبون } أي مرجع يرجعون بعد الموت . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إلى جهنم والسعير . والله أعلم .
هذا الاستثناء هو في شعراء الإسلام كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكل من اتصف بهذه الصفة ، ويروى عن عطاء بن يسار وغيره أن هؤلاء شق عليهم ما ذكر قبل في الشعراء وذكروا ذلك للنبي عليه السلام فنزلت آية الاستثناء بالمدينة{[8974]} ، وقوله { وذكروا الله كثيراً } يحتمل أن يريد في أشعارهم وهو تأويل ابن زيد ، ويحتمل أن يريد أن ذلك خلق لهم وعبادة وعادة قاله ابن عباس ، وهذا كما قال لبيد حين طلب منه شعره إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيراً منه وكل شاعر في الإسلام يهجو ويمدح من غير حق ولا يرتدع عن قول دنيء فهم داخلون في هذه الآية وكل تقي منهم يكثر من الزهد ويمسك عن كل ما يعاب فهو داخل في الاستثناء ، وقوله { وانتصروا } إشارة إلى ما قاله من الشعر علي وغيره في قريش قال قتادة وفي بعض القراءة ، «وانتصروا بمثل ما ظلموا » ، وباقي الآية وعيد للظلمة كفار مكة وتهديد لهم ، وعمل { ينقلبون } في { أي } لتأخيره{[8975]} . والحول والقوة لله عز وجل ، والله تبارك وتعالى أعلم .