الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحدهما من الأنصار ؛ والآخر من قوم آخرين ، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فأنزل الله { والشعراء يتبعهم الغاوون . . } الآيات .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك ، مثله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : تهاجى شاعران في الجاهلية وكان مع كل واحد منهما فئام من الناس . فأنزل الله { والشعراء يتبعهم الغاوون } .

وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عروة قال : لما نزلت { والشعراء } إلى قوله { ما لا يفعلون } قال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله قد علم الله أني منهم . فأنزل الله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } إلى قوله { ينقلبون } .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي حسن سالم البراد قال : لما نزلت { والشعراء . . . } جاء عبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، وحسان بن ثابت ، وهم يبكون فقالوا : يا رسول الله لقد أنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء أهلكنا ؟ فأنزل الله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليهم .

وأخرج عبد بن حميد والحاكم عن أبي الحسن مولى بني نوفل ؛ أن عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت الشعراء يبكيان وهو يقرأ { والشعراء يتبعهم الغاوون } حتى بلغ { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال : أنتم { وذكروا الله كثيراً } قال : أنتم { وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال : أنتم { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } قال : الكفار .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { يتبعهم الغاوون } قال : هم الكفار ، يتبعون ضلال الجن والإِنس { في كل وادٍ يهيمون } في كل لغو يخوضون { وأنهم يقولون ما لا يفعلون } أكثرهم كاذبون ، ثم استثنى منهم فقال { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً } في كلامهم { وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال : ردوا على الكفار الذين كانون يهجون المؤمنين .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { والشعراء } قال : المشركون منهم الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم { يتبعهم الغاوون } غواة الجن { في كل واد يهيمون } في كل فن من الكلام يأخذون ، ثم استثنى فقال { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعني حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، كانوا يذبون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هجاء المشركين .

وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { يتبعهم الغاوون } قال : هم الرواة .

وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال { الشعراء يتبعهم الغاوون } فنسخ من ذلك واستثنى فقال { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً } .

وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً } قال : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وعبد الله بن رواحة .

وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن مردويه عن كعب بن مالك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أنزل في الشعراء ما أنزل فكيف ترى فيه ؟ فقال « إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه - والذي نفسي بيده - لكأنما بوجههم مثل نضج النبل » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي سعيد قال : بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عرض شاعر ينشد فقال النبي صلى الله عليه وسلم « لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً » .

وأخرج الديلمي عن ابن مسعود مرفوعاً : الشعراء الذين يموتون في الإِسلام يأمرهم الله أن يقولوا شعراً تتغنى به الحور العين لأزواجهن في الجنة ، والذين ماتوا في الشرك يدعون بالويل والثبور في النار .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن من الشعر حكمة قال : وأتاه قرظة بن كعب ، وعبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت فقالوا : إنا نقول الشعر ، وقد نزلت هذه الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا { والشعراء } إلى قوله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال : أنتم هم { وذكروا الله كثيراً } قال : أنتم هم { وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال : أنتم هم » .

وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { والشعراء يتبعهم الغاوون } قال : كان الشاعران يتقاولان ليكون لهذا تبع ولهذا تبع .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبه وعبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة { والشعراء يتبعهم الغاوون } قال : هم عصاة الجن .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال : هذه ثنية الله من الشعراء ومن غيرهم { وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال : في بعض القراءة { وانتصروا بمثل ما ظلموا } قال : نزلت هذه الآية في رهط من الأنصار هاجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم كعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت { وسيعلم الذين ظلموا } من الشعراء وغيرهم { أي منقلب ينقلبون } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . . . } قال : نزلت في عبد الله بن رواحة ، وفي شعراء الأنصار .

وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت « أهج المشركين فإن جبريل معك » .

وأخرج ابن سعد عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال « قيل يا رسول الله إن أبا سفيان بن الحرث بن عبد المطلب يهجوك ، فقام ابن رواحة ، فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه قال : أنت الذي تقول ثبت الله ؟ قال : نعم . يا رسول الله قلت :

ثبت الله ما أعطاك من حسن *** تثبيت موسى ونصراً مثل ما نصرا

قال : وأنت يفعل الله بك مثل ذلك ، ثم وثب كعب فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه فقال : أنت الذي تقول همت ؟ قال : نعم يا رسول الله قلت :

همت سخينة أن تغالب ربها *** فليغلبن مغالب الغلاب

قال : أما إن الله لم ينس لك ذلك ، ثم قام حسان الحسام فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه ، وأخرج لساناً له اسود فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه فقال : اذهب إلى أبي بكر فليحدثك حديث القوم ، وأيامهم ، وأحسابهم واهجهم وجبريل معك » .

وأخرج ابن سعد عن ابن بريدة ، أن جبريل أعان حسان بن ثابت على مدحته النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين بيتاً .

وأخرج ابن سعد وأحمد عن أبي هريرة قال : مر عمر بحسان وهو ينشد في المسجد فلحظ إليه . فنظر إليه فقال : قد كنت أنشد فيه ، وفيه من هو خير منك . فسكت . ثم التفت حسان إلى أبي هريرة فقال : أنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « أجب عني اللهم أيده بروح القدس » ؟ قال : نعم .

وأخرج ابن سعد عن ابن سيرين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وهم في سفر « أين حسان بن ثابت ؟ فقال : لبيك يا رسول الله وسعديك قال : أحد . فجعل ينشده ويصغي إليه حتى فرغ من نشيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا أشد عليهم من وقع النبل » .

وأخرج ابن عساكر عن حسن بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة : " ما الشعر ؟ قال : شيء يختلج في صدر الرجل فيخرجه على لسانه شعراً " .

وأخرج ابن سعد عن مدرك بن عمارة قال : « قال عبد الله بن رواحة : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول - كأنه يتعجب لذاك - ! قلت : انظر في ذاك ثم أقول . قال : فعليك بالمشركين .

وأخرج ابن سعد عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من يحمي أعراض المسلمين فقال عبد الله بن رواحة : أنا . وقال كعب بن مالك : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تحسن الشعر . وقال حسان بن ثابت : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أهجهم فإن روح القدس سيعينك » .

وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إذا نصر القوم بسلاحهم أنفسهم فألسنتهم أحق . فقام رجل فقال : يا رسول الله أنا . قال : لست هناك . فجلس فقام آخر فقال : يا رسول الله أنا . فقال بيده معنى اجلس . فقام حسان فقال : يا رسول الله ما يسرني به مقولاً بين صنعاء وبصرى ، وإنك ما سببت قوماً قط بشيء هو أشد عليهم من شيء يعرفونه ، فمر بي إلى من يعرف أيامهم وبيوتاتهم حتى أضع لساني ، فأمر به إلى أبي بكر » .

وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال : « هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثة من كفار قريش : أبو سفيان بن الحرث ، وعمرو بن العاص ، وابن الزبعري ، قال قائل لعلي : أهج عنا هؤلاء القوم الذين قد هجونا فقال علي : إن أذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلت . فقال : الرجل : يا رسول الله ائذن لعلي كيما يهجو عنا هؤلاء القوم الذين هجونا فقال : ليس هناك . ثم قال للأنصار : ما يمنع القوم الذين قد نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلاحهم وأنفسهم أن ينصروه بألسنتهم ؟ فقال حسان بن ثابت : أنا لها يا رسول الله ، وأخذ بطرف لسانه فقال : والله ما يسرني بهم مقولاً بين بصرى وصنعاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكيف تهجوهم وأنا منهم ؟ فقال : إني أسُلّكَ منهم كما تسل الشعرة من العجين ، فكان يهجوهم ثلاثة من الأنصار يجيبونهم : حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة .

فكان حسان وكعب يعارضانهم بمثل قولهم بالوقائع ، والأيام ، والمآثر ، ويعيرونهم بالمناقب ، وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر وينسبهم إلى الكفر ، ويعلم أنه ليس فيهم شيء شراً من الكفر . وكانوا في ذلك الزمان أشد القول عليهم قول حسان وكعب ، وأهون القول عليهم قول ابن رواحة ، فلما أسلموا وفقهوا الإِسلام كان أشد القول عليهم قول ابن رواحة .

وأخرج ابن أبي شيبة عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن من الشعر حكماً » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول « إن من الشعر حكماً » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن من الشعر حكماً ، وإن من البيان سحراً » .

وأخرج ابن أبي حاتم عن فضالة بن عبيدة في قوله { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } قال : هؤلاء الذين يخربون البيت .

وأخرج أحمد عن أبي أمامة بن سهل حنيف قال : سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أتركوا الحبشة ما تركوكم ، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة .

وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يبايع رجل بين الركن والمقام ، ولن يستحل هذا البيت إلا أهله ، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب ، ثم تجيء الحبشة فتخربه خراباً لا يعمر بعده أبداً ، وهم الذين يستخرجون كنزه » .

وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة » .

وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال : من آخر أمر الكعبة أن الحبشة يغزون البيت ، فيتوجه المسلمون نحوهم ، فيبعث الله عليهم ريحاً شرقية فلا تدع لله عبداً في قلبه مثقال ذرة من تقى إلا قبضته حتى إذا فرغوا من خيارهم بقي عجاج من الناس .

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال كأني أنظر إلى رجل من الحبش ؛ أصلع ، أجمع ، حمش الساقين ، جالس عليها وهو يهدمها .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : كأني به : أصيلع ، أفيدع ، قائم عليها ، يهدمها بمسحاته .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : كتب أبي في وصيته سطرين بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة عند خروجه من الدنيا حين يؤمن الكافر ، ويتقي الفاجر ، ويصدق الكاذب . إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذلك ظني به ورجائي فيه ، وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن رباح قال : كان صفوان بن مجرز إذا قرأ هذه الآية بكى { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } .