مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين بقوله { إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وكعب بن مالك رضي الله عنهم { وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً } أي كان ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر وإذ قالوا شعراً قالوه في توحيد الله تعالى والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والأدب ومدح رسول الله والصحابة وصلحاء الأمة ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب . وقال أبو يزيد : الذكر الكثير ليس بالعدد والغفلة لكنه بالحضور { وانتصروا } وهجوا { مِنْ بَعْدَمَا ظَلَمُواْ } هجوا أي ردوا هجاء من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، وأحق الخلق بالهجاء من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجاه . وعن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له « اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل » وكان يقول لحسان « قل وروح القدس معك » ختم السورة بما يقطع أكباد المتدبرين وهو قوله { وَسَيَعْلَمْ } وما فيه من الوعيد البليغ وقوله { الذين ظَلَمُواْ } وإطلاقه ، وقوله { أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } وإبهامه ، وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنه حين عهد إليه وكان السلف يتواعظون بها . قال ابن عطاء : وسيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منا . و { أيّ } منصوب ب { ينقلبون } على المصدر لا ب { يعلم } لأن أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها أي ينقلبون أيّ انقلاب .