فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

ثم استثنى سبحانه الشعراء المؤمنين الصالحين الذين أغلب أحوالهم تحرّي الحق والصدق ، فقال : { إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } أي دخلوا في حزب المؤمنين ، وعملوا بأعمالهم الصالحة ، { وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً } في أشعارهم { وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } كمن يهجو منهم من هجاه ، أو ينتصر لعالم أو فاضل كما كان يقع من شعراء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإنهم كانوا يهجون من يهجوه ، ويحمون عنه ويذبون عن عرضه ، ويكافحون شعراء المشركين وينافحونهم ، ويدخل في هذا من انتصر بشعره لأهل السنة وكافح أهل البدعة ، وزيف ما يقوله شعراؤهم من مدح بدعتهم وهجو السنة المطهرة ، كما يقع ذلك كثيراً من شعراء الرافضة ونحوهم ، فإن الانتصار للحق بالشعر وتزييف الباطل به من أعظم المجاهدة ، وفاعله من المجاهدين في سبيل الله ، المنتصرين لدينه ، القائمين بما أمر الله بالقيام به .

واعلم أن الشعر في نفسه ينقسم إلى أقسام ، فقد يبلغ ما لا خير فيه منه إلى قسم الحرام ، وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب . وقد وردت أحاديث في ذمه وذمّ الاستكثار منه ، ووردت أحاديث أخر في إباحته وتجويزه ، والكلام في تحقيق ذلك يطول ، وسنذكر في آخر البحث ما ورد في ذلك من الأحاديث .

ثم ختم سبحانه هذه السورة بآية جامعة للوعيد كله فقال : { وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } ، فإن في قوله : { سيعلم } تهويلاً عظيماً ، وتهديداً شديداً ، وكذا في إطلاق { الذين ظلموا } وإبهام { أيّ منقلب ينقلبون } ، وخصص هذه الآية بعضهم بالشعراء ، ولا وجه لذلك ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ ، وقوله { أَيَّ مُنقَلَبٍ } صفة لمصدر محذوف : أي ينقلبون منقلباً أيّ منقلب ، وقدّم لتضمنه معنى الاستفهام ، ولا يعمل فيه { سيعلم } ؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، بل هو معلق عن العمل فيه . وقرأ ابن عباس والحسن : " أيّ منفلت ينفلتون " بالفاء مكان القاف ، والتاء مكان الباء من الانفلات بالنون والفاء الفوقية ، وقرأ الباقون بالقاف ، والباء من الانقلاب بالنون والقاف والموحدة ، والمعنى على قراءة ابن عباس والحسن : أن الظالمين يطمعون في الانفلات من عذاب الله ، والانفكاك منه ، ولا يقدرون على ذلك .

/خ227