ثم استثنى سبحانه الشعراء المؤمنين الصالحين الذين أغلب أحوالهم تحرّي الحق والصدق ، فقال : { إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } أي دخلوا في حزب المؤمنين ، وعملوا بأعمالهم الصالحة ، { وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً } في أشعارهم { وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } كمن يهجو منهم من هجاه ، أو ينتصر لعالم أو فاضل كما كان يقع من شعراء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإنهم كانوا يهجون من يهجوه ، ويحمون عنه ويذبون عن عرضه ، ويكافحون شعراء المشركين وينافحونهم ، ويدخل في هذا من انتصر بشعره لأهل السنة وكافح أهل البدعة ، وزيف ما يقوله شعراؤهم من مدح بدعتهم وهجو السنة المطهرة ، كما يقع ذلك كثيراً من شعراء الرافضة ونحوهم ، فإن الانتصار للحق بالشعر وتزييف الباطل به من أعظم المجاهدة ، وفاعله من المجاهدين في سبيل الله ، المنتصرين لدينه ، القائمين بما أمر الله بالقيام به .
واعلم أن الشعر في نفسه ينقسم إلى أقسام ، فقد يبلغ ما لا خير فيه منه إلى قسم الحرام ، وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب . وقد وردت أحاديث في ذمه وذمّ الاستكثار منه ، ووردت أحاديث أخر في إباحته وتجويزه ، والكلام في تحقيق ذلك يطول ، وسنذكر في آخر البحث ما ورد في ذلك من الأحاديث .
ثم ختم سبحانه هذه السورة بآية جامعة للوعيد كله فقال : { وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } ، فإن في قوله : { سيعلم } تهويلاً عظيماً ، وتهديداً شديداً ، وكذا في إطلاق { الذين ظلموا } وإبهام { أيّ منقلب ينقلبون } ، وخصص هذه الآية بعضهم بالشعراء ، ولا وجه لذلك ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ ، وقوله { أَيَّ مُنقَلَبٍ } صفة لمصدر محذوف : أي ينقلبون منقلباً أيّ منقلب ، وقدّم لتضمنه معنى الاستفهام ، ولا يعمل فيه { سيعلم } ؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، بل هو معلق عن العمل فيه . وقرأ ابن عباس والحسن : " أيّ منفلت ينفلتون " بالفاء مكان القاف ، والتاء مكان الباء من الانفلات بالنون والفاء الفوقية ، وقرأ الباقون بالقاف ، والباء من الانقلاب بالنون والقاف والموحدة ، والمعنى على قراءة ابن عباس والحسن : أن الظالمين يطمعون في الانفلات من عذاب الله ، والانفكاك منه ، ولا يقدرون على ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.