غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

176

ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين الذين أغلب أحوالهم الذكر والفكر فيما لا بأس به من المواعظ والنصائح ، ومدح الحق وذويه ، ويكون هجاؤهم على سبيل الانتصار ممن يهجوهم مثل عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن زهير كانوا ينافحون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . " وعن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل " وكان يقول لحسان : هاجهم وروح القدس معك . والحاصل أن النظر في الشعر إلى المعنى لا على مجرد النظم والروي . فإن كان المعنى صحيحاً مطابقاً للحق والصدق فلا بأس بإِدخاله في سلك النظم والقافية بل لعل النظم يروجه ويهيج الطبع على قبوله وهو الذي عناه صلى الله عليه وسلم " إن من الشعر لحكماً " وإن كان المعنى فاسداً والغرض غير صحيح فهو الذي توجه الذم إليه . وللانتصار حد معلوم وهو أن لا يزيد على الجواب لقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } [ البقرة : 194 ] وقال صلى الله عليه وسلم " المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما حتى يتعدى المظلوم " ثم ختم السورة بآية جامعة للوعيد كله فقال { وسيعلم الذين ظلموا } خصصه بعضهم بالشعراء إذا خرجوا عن حد الإنصاف ، ومالوا إلى الجور والاعتساف ، ولعله عام يتناول لكل من ظلم نفسه بالإعراض عن تدبر ما في السورة بل القرآن كله . وقوله { أيّ منقلب } صفة لمصدر محذوف والعامل { ينقلبون } أي ينقلبون في الدركات السفلى انقلاباً أيّ منقلب ولا يعمل فيه { يعلم } لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله . وعن ابن عباس أنه قرأه بالفاء والتاء والمراد سيعلمون أنه ليس لهم وجه من وجوه الانفلات وهو النجاة .

/خ227