إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ} (227)

{ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } استثناءٌ للشُّعراء المؤمنينَ الصَّالحينَ الذينُ يكثرون ذكرَ الله عزَّ وجلَّ ويكونُ أكثرُ أشعارهِم في التَّوحيدِ والثَّناءِ على الله تعالى والحثِّ على طاعتِه والحكمةِ والموعظةِ والزُّهُدِ في الدُّنيا والتَّرغيبِ عن الركونِ إليها والزَّجرِ عن الاغترارِ بزخارفِها والافتتانِ بملاذِّها القلبيةِ ولو وقع منهم في بعضِ الأوقات هجوٌ وقع ذلك منهم بطريقِ الانتصارِ ممَّن هجاهُم وقيل : المرادُ بالمستثنَينَ عبدُ اللَّه بنُ رَوَاحةَ ، وحسَّانُ بنُ ثابتٍ ، وكعبُ بنُ مالكٍ ، وكعبُ بنُ زُهيرِ بنِ أبي سُلْمى ، والذين كانُوا يُنافحون عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويكافحون هُجاةَ قُريشٍ .

وعن كعبِ بنِ مالكٍ رضي الله تعالى عنْهُ أنَّ رسوَل الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( اهجُهم ، فو الذي نفسِي بيدِه لهُو أشدُّ عليهم من النَّبلِ{[606]} ) وكان يقولُ لحسَّانَ : ( قُل ورُوحُ القُدُسِ مَعَك{[607]} ) { وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ أَي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ لما في " سيعلمُ " من تهويلٍ متعلَّقةِ وفي " الذين ظلموا " من الإطلاقِ والتعميم وفي " أيَّ منقلبٍ ينقلبون " من الإبهامِ والتهويلِ وقد قاله أبُو بكرٍ لعمرَ رضي الله عنهما حينَ عَهِدَ إليه . وقرئ أي مُنفلتٍ ينفلتونَ من الانفلاتِ بمعنى النجاةِ والمعنى أنَّ الظَّالمين يطمعُون أنْ ينفلتُوا من عذابِ الله تعالى وسيعلمُون أنْ ليس لهم وجهٌ من وجوهِ الانفلاتِ .

ختام السورة:

عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ( مَن قرأَ سورةَ الشُّعراءِ كان له من الأجرِ عشرُ حسناتٍ بعددِ مَن صدَّقَ بنوحٍ وكذَّبَ به وهودٍ وصالحٍ وشُعيبٍ وإبراهيمَ وبعددِ من كذَّب بعيسى وصدَّق بمحمَّدٍ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ ) .


[606]:أخرجه النسائي في كتاب المناسك باب (121) بلفظ (لكلامه أشد عليكم من وقع النبل).
[607]:أخرجه بلفظ: "اهجهم فإن جبريل روح القدس معك" كل من البخاري في كتاب بدء الخلق باب (6) وكتاب المغازي باب (30) وكتاب الأدب باب (91) كما أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة حديث رقم (153) وأحمد في المسند (4 / 286، 298، 299، 301).