ثم استثنى تعالى الشعراء المؤمنين الصالحين بقوله :
{ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } أي في شعرهم بأن كان غالبه في توحيد الله والثناء عليه والحكمة والموعظة والآداب الحسنة { وَانتَصَرُوا } أي بشعرهم على عدوهم بأن هجوه { مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا } أي فكان هجاؤهم على سبيل الانتصار ممن يهجوهم ، جزاء وفاقا . قال الله {[5953]} : { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } وقال تعالى {[5954]} { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } قال ابن كثير : وقد ثبت في ( الصحيح ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان {[5955]} : ( اهجهم ، أو قال هاجهم ، وجبريل معك ) ويروي الإمام أحمد {[5956]} عن كعب بن مالك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل قد انزل في الشعر ما قد علمت ، وكيف ترى فيه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه . والذي نفسي بيده ! لكأن ما ترمونهم به نضح النبل ) .
الأول – قال في ( الإكليل ) : في قوله تعالى : { والشعراء يتبعهم الغاوون } الآية ، ذم الشعر ، والمبالغة في المدح والهجو وغيرهما من فنونه ، وجوازه في الزهد والأدب ومكارم الأخلاق وجواز الهجو لمن ظلم ، انتصارا . انتهى .
وحكى الزمخشري عن عمرو بن عبيد ، أن رجلا من العلوية قال له : إن صدري ليجيش بالشعر . فقال : فما يمنعك منه لا بأس به ؟ والقول فيه : أن الشعر باب من الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام .
الثاني – ذكر ابن إسحاق أنه لما نزلت : { والشعراء يتبعهم الغاوون } جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكون . قالوا : ( قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء . فتلا النبي صلى الله عليه وسلم : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال : أنتم ) .
قال ابن كثير : لكن هذه السورة مكية ، فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات في شعراء الأنصار ؟ وفي ذلك نظر . ولم يرو فيه إلا مرسلات لا يعتمد عليها . والله اعلم . ولكن الاستثناء دخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم ، حتى يدخل فيه من كان متلبسا من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله ، ثم تاب وأناب ورجع وأقلع ، وعمل صالحا ، وذكر الله كثيرا ، في مقابلة ما تقدم من الكلام السيء . فإن الحسنات يذهب السيئات . وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كان يذمه . كما قال {[5957]} عبد الله ابن الزبعرى ، لما أسلم :
يا رسول المليك إن لساني *** راتق ما فتقت ، إذ أنا بور
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي *** ومن مال ميله مثبور
وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم فهو ابن عمه وأكثرهم له هجوا . فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى .
وقوله تعالى : { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } تهديد شديد ووعيد أكيد ، لما في { سيعلم } من تهويل متعلقه . وفي { الذين ظلموا } من إطلاقه وتعميمه . وفي { أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } من إيهامه وتهويله . كأنه لا يمكن معرفته ، وقد رأوا ما حاق بهم في الدنيا . ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.