12- قل - أيها النبي - لهؤلاء الجاحدين : مَنْ مَالِك السماوات والأرضِ ومن فيهن ؟ فإن أحجموا فقل الجواب الذي لا جواب غيره : إن مالكها هو الله - وحده - لا شريك له ، وأنه أوجب على نفسه الرحمة بعباده ، فلا يعجل عقوبتهم ، ويقبل توبتهم ، إنه ليحشرنكم إلى يوم القيامة الذي لا شك فيه . الذين ضيعوا أنفسهم وعرّضوها للعذاب في هذا اليوم ، هم الذين لا يصدقون بالله ، ولا بيوم الحساب .
قوله تعالى : { قل لمن ما في السموات والأرض } ، فإن أجابوك وإلا .
قوله تعالى : { لله } ، أمره بالجواب عقيب السؤال ليكون أبلغ في التأثير وآكد في الحجة .
قوله تعالى : { كتب } ، أي : قضى .
قوله تعالى : { على نفسه الرحمة } ، هذا استعطاف منه تعالى للمتولين عنه إلى الإقبال عليه ، وإخباره بأنه رحيم بالعباد ، لا يعجل بالعقوبة ، ويقبل الإنابة والتوبة .
أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أخبرنا أبو طاهر الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن يوسف السلمي ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن همام بن منبه قال : ثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فهو عند الله فوق العرش : إن رحمتي غلبت غضبي ) .
وروي أبو الزناد عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن رحمتي سبقت غضبي ) .
أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي الكركاني ، أنا أبو طاهر الزنادي ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا عبد الرحمن المروزي ، أخبرنا عبد الله ابن المبارك ، أنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن ، والإنس ، والبهائم ، والهوام ، فيها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحوش على أولادها ، وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة ) .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا ابن أبي مريم ، ثنا أبو غسان ، حدثني زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قال : ( قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي ، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها ، تسعى إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها ، وأرضعته ، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : ( أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ فقلنا : لا ، وهي تقدر على أن لا تطرحه ، فقال : الله أرحم بعباده من هذه بولدها ) .
قوله تعالى : { ليجمعنكم } ، اللام فيه لام القسم ، والنون نون التوكيد ، مجازه والله ليجمعنكم .
قوله تعالى : { إلى يوم القيامة } ، أي : في يوم القيامة ، وقيل معناه ليجمعنكم في قبوركم إلى يوم القيامة .
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض ومن فيهن ، وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة ، كما ثبت في الصحيحين ، من طريق الأعْمَش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال النبي{[10582]} صلى الله عليه وسلم " إن الله لما خَلَقَ الخَلْق كتب كتابًا عنده فوق العرش ، إن رحمتي تَغْلِبُ غَضَبِي " {[10583]}
وقوله : { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ } هذه اللام هي الموطئة للقسم ، فأقسم بنفسه الكريمة ليجمعن عباده لميقات يوم معلوم [ وهو يوم القيامة ]{[10584]} الذي لا ريب فيه ولا شك فيه عند عباده المؤمنين ، فأما الجاحدون المكذبون فهم{[10585]} في ريبهم{[10586]} يترددون .
وقال ابن مَرْدُوَيه عند تفسير هذه الآية : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عبيد الله بن أحمد بن عُقْبَة ، حدثنا عباس بن محمد ، حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا مِحْصَن بن عقْبَة اليماني ، عن الزبير بن شَبِيب ، عن عثمان بن حاضر ، عن ابن عباس قال : سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين ، هل فيه ماء ؟ قال : " والذي نَفْسِي بيَدِه ، إن فيه لماءً ، إن أولياء الله ليردون حِياضَ الأنبياء ، ويَبْعَثُ الله تعالى سبعين ألف مَلَكٍ في أيديهم عِصِيّ من نار ، يَذُودون الكفار عن حياض الأنبياء " .
هذا حديث غريب{[10587]} وفي الترمذي : " إن لكل نبي حَوْضًا ، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة ، وأرجو أن أكون أكثرهم واردة{[10588]} {[10589]}
ولهذا قال : { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ } [ أي يوم القيامة ]{[10590]} { فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } أي : لا يصدقون بالمعاد ، ولا يخافون شر ذلك اليوم .
{ قل لمن ما في السماوات والأرض } خلقا وملكا ، وهو سؤال تبكيت . { قل لله } تقريرا لهم وتنبيها على أنه المتعين للجواب بالإنفاق ، بحيث لا يمكنهم أن يذكروا غيره . { كتب على نفسه الرحمة } التزمها تفضلا وإحسانا والمراد بالرحمة ما يعم الدارين ومن ذلك الهداية إلى معرفته ، والعلم بتوحيده بنصب الأدلة ، وإنزال الكتب والإمهال على الكفر . { ليجمعنكم إلى يوم القيامة } استئناف وقسم للوعيد على إشراكهم وإغفالهم النظر أي : ليجمعنكم في القبور مبعوثين إلى يوم القيامة ، فيجازيكم على شرككم . أو في يوم القيامة وإلى بمعنى في . وقيل بدل من الرحمة بدل البعض فإنه من رحمته بعثه إياكم وإنعامه عليكم . { لا ريب فيه } في اليوم أو الجمع . { الذين خسروا أنفسهم } بتضييع رأس مالهم . وهو الفطرة الأصلية والعقل السليم ، وموضع الذين نصب على الذم أو رفع على الخبر أي : وأنتم الذين أو على الابتداء والخبر . { فهم لا يؤمنون } والفاء للدلالة على أن عدم إيمانهم مسبب عن خسرانهم ، فإن إبطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك في التقليد وإغفال النظر أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع من الإيمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.