{ قل لمن ما في السموات والأرض قل الله } لما ذكر تعالى تصريفه فيمن أهلكهم بذنوبهم ، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بسؤالهم ذلك فإنه لا يمكنهم أن يقولوا إلا أن ذلك لله تعالى فيلزمهم بذلك أنه تعالى هو المالك المهلك لهم ، وهذا السؤال سؤال تبكيت وتقرير ثم أمره تعالى بنسبة ذلك لله تعالى ليكون أول من بادر إلى الاعتراف بذلك .
وقيل : في الكلام حذف تقديره فإذا لم يجيبوا { قل لله } وقال قوم : المعنى أنه أمر بالسؤال فكأنه لما لم يجيبوا سألوا فقيل لهم { قل لله } ولله خبر مبتدأ محذوف التقدير قل ذلك أو هو لله .
{ كتب على نفسه الرحمة } لما ذكر تعالى أنه موجد العالم المتصرف فيهم بما يريد ، ودل ذلك على نفاذ قدرته أردفه بذكر رحمته وإحسانه إلى الخلق وظاهر كتب أنه بمعنى سطر وخط ، وقال به قوم هنا وأنه أريد حقيقة الكتب والمعنى أمر بالكتب في اللوح المحفوظ .
وقيل : { كتب } هنا بمعنى وعد بها فضلاً وكرماً .
وقيل : أوجب إيجاب فضل وكرم لا إيجاب لزوم .
وقال الزمخشري : أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته ، ونصب الأدلة لكم على توحيد ما أنتم مقرون به من خلق السموات والأرض ، انتهى .
و { الرحمة } هنا الظاهر أنها عامّة فتعم المحسن والمسيء في الدنيا ، وهي عبارة عن الاتصال إليهم والإحسان إليهم ولم يذكر متعلق الرحمة لمن هي فتعم كما ذكرنا .
وقيل : الألف واللام للعهد ، فيراد بها الرحمة الواحدة التي أنزلها الله تعالى من المائة { الرحمة } التي خلقها وأخر تسعة وتسعين يرحم بها عباده في الآخرة .
وقال الزجاج : { الرحمة } إمهال الكفار وتعميرهم ليتوبوا ، فلم يعاجلهم على كفرهم .
وقيل : { الرحمة } لمن آمن وصدق الرسل .
وفي صحيح مسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه ، فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي .
{ ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه } لما ذكر أنه تعالى رحم عباده ذكر الحشر وأن فيه المجازاة على الخير والشر ، وهذه الجملة مقسم عليها ولا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب وإن كانت من حيث المعنى متعلقة بما قبلها كما ذكرناه .
وحكى المهدوي أن جماعة من النحويين قالوا : إنها تفسير للرحمة تقديره : أن يجمعكم ، فتكون الجملة في موضع نصب على البدل من { الرحمة } وهو مثل قوله { ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه } المعنى أن يسجنوه ، وردّ ذلك ابن عطية بأن النون الثقيلة تكون قد دخلت في الإيجاب قال : وإنما تدخل في الأمر والنهي وباختصاص من الواجب في القسم ، انتهى .
وهذا الذي ذكره لا يحصر مواضع دخول نون التوكيد ، ألا ترى دخولها في الشرط وليس واحداً مما ذكر نحو قوله تعالى :
{ وإما ينزغنك } وكذلك قوله : وباختصاص من الواجب في القسم بهذا ليس على إطلاقه بل له شروط ذكرت في علم النحو ولهم أن يقولوا صورة الجملة صورة المقسم عليه ، فلذلك لحقت النون وإن كان المعنى على خلاف القسم ويبطل ما ذكروه ، إن الجملة المقسم عليها لا موضع لها وحدها من الإعراب ، فإذا قلت والله لأضربنّ زيداً ، فلأضربنّ لا موضع له من الإعراب فإذا قلت زيد والله لأضربنه ، كانت جملة القسم والمقسم عليه في موضع رفع والجمع هنا قيل حقيقة أي { ليجمعنكم } في القبور إلى يوم القيامة ، والظاهر أن { إلى } للغاية والمعنى ليحشرنكم منتهين { إلى يوم القيامة } وقيل : المعنى { ليجمعنكم } في الدنيا يخلقكم قرناً بعد قرن إلى يوم القيامة وقد تكون { إلى } هنا بمعنى اللام أي ليوم القيامة ، كقوله تعالى : { إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه } وأبعد من زعم أن { إلى } بمعنى في أي في يوم القيامة وأبعد منه من ذهب إلى أنها صلة والتقدير { ليجمعنكم } يوم القيامة ، والظاهر أن الضمير في { فيه } عائد إلى يوم القيامة وفيه ردّ على من ارتاب في الحشر ويحتمل أن يعود على الجمع ، وهو المصدر المفهوم من قولهم { ليجمعنكم } .
{ الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون } اختلف في إعراب { الذين } فقال الأخفش : هو بدل من ضمير الخطاب في { ليجمعنكم } وردّه المبرد بأن البدل من ضمير الخطاب لا يجوز ، كما لا يجوز مررت بك زيد وردّ رد المبرد ابن عطية .
فقال : ما في الآية مخالف للمثال لأن الفائدة في البدل مترتبة من الثاني ، وإذا قلت مررت بك زيد فلا فائدة في الثاني ، وقوله : { ليجمعنكم } يصلح لمخاطبة الناس كافة فيفيدنا إبدال { الذين } من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب وخصوا على جهة الوعيد ، ويجيء هذا بدل البعض من الكل ، انتهى .
وما ذكره ابن عطية في هذا الردّ ليس بجيد ، لأنه إذا جعلنا { ليجمعنكم } يصلح لمخاطبة الناس كافة كان { الذين } بدل بعض من كل ، ويحتاج إذ ذاك إلى ضمير ويقدر { الذين خسروا أنفسهم } منهم وقوله فيفيدنا إبدال { الذين } من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب ، وخصوا على جهة الوعيد وهذا يقتضي أن يكون بدل كل من كل فتناقض أول كلامه مع آخره لأنه من حيث الصلاحية ، يكون بدل بعض من كل ومن حيث اختصاص الخطاب بهم يكون بدل كل من كل ، والمبدل منه متكلم أو مخاطب في جوازه خلاف مذهب الكوفيين والأخفش ، أنه يجوز ومذهب جمهور البصريين أنه لا يجوز ، وهذا إذا لم يكن البدل يفيد معنى التوكيد فإنه إذ ذاك يجوز ، وهذا كله مقرر في علم النحو .
وقال الزجاج : { الذين } مرفوع على الابتداء والخبر قوله : { فهم لا يؤمنون } ودخلت الفاء لما تضمن المبتدأ من معنى الشرط كأنه قيل : من يخسر نفسه فهو لا يؤمن ، ومن ذهب إلى البدل جعل الفاء عاطفة جملة على جملة وأجاز الزمخشري أن يكون { الذين } منصوباً على الذمّ أي : أريد { الذين خسروا أنفسهم } ؛ انتهى وتقديره بأريد ليس بجيد إنما يقدر النحاة المنصوب على الذم بأذم وأبعد من ذهب إلى أن موضع { الذين } جر نعتاً للمكذبين أو بدلاً منهم .
وقال الزمخشري ( فإن قلت ) : كيف جعل عدم إيمانهم مسبباً عن خسرهم والأمر بالعكس ؟ ( قلت ) : معناه { الذين خسروا أنفسهم } في علم الله لاختيارهم الكفر { فهم لا يؤمنون } ؛ انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.