فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُل لِّلَّهِۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (12)

قوله : { قُل لمَن ما فِي السموات والأرض } هذا احتجاج عليهم وتبكيت لهم ، والمعنى : قل لهم هذا القول فإن قالوا فقل لله ، وإذا ثبت أن له ما في السموات والأرض إما باعترافهم ، أو بقيام الحجة عليهم ، فالله قادر على أن يعاجلهم بالعقاب ، ولكنه كتب على نفسه الرحمة ، أي وعد بها فضلاً منه وتكرّماً ، وذكر النفس هنا عبارة عن تأكد وعده ، وارتفاع الوسائط دونه ، وفي الكلام ترغيب للمتولين عنه إلى الإقبال إليه وتسكين خواطرهم بأنه رحيم بعباده لا يعاجلهم بالعقوبة ، وأنه يقبل منهم الإنابة والتوبة ، ومن رحمته لهم إرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، ونصب الأدلة .

قوله : { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة } اللام جواب قسم محذوف . قال الفراء وغيره : يجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله : { الرحمة } ويكون ما بعدها مستأنفاً على جهة التبيين ، فيكون المعنى { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } ليمهلنكم وليؤخرنّ جمعكم . وقيل المعنى : ليجمعنكم في القبور إلى اليوم الذي أنكرتموه . وقيل : «إلى » بمعنى في ، أي ليجمعنكم في يوم القيامة . وقيل يجوز أن يكون موضع { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } النصب على البدل من الرحمة ، فتكون اللام بمعنى «أن » . والمعنى : كتب ربكم على نفسه الرحمة أن يجمعنكم كما قالوا في قوله تعالى : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ } أي أن يسجنوه . وقيل إن جملة { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } مسوقة للترهيب بعد الترغيب ، وللوعيد بعد الوعد ، أي إن أمهلكم برحمته فهو مجازيكم بجمعكم في معاقبة من يستحق عقوبته من العصاة ، والضمير في { لاَ رَيْبَ فِيهِ } لليوم أو للجمع .

قوله : { الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } . قال الزجاج : إن الموصول مرتفع على الابتداء وما بعده خبره كما تقول : الذي يكرمني فله درهم ، فالفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط . وقال الأخفش : إن شئت كان { الذين } في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } أي ليجمعنّ المشركين الذين خسروا أنفسهم ، وأنكره المبرد ، وزعم أنه خطأ ، لأنه لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب . لا يقال : مررت بك زيد ولا مررت بي زيد . وقيل : يجوز أن يكون { الذين } مجروراً على البدل من المكذبين الذين تقدّم ذكرهم ، أو على النعت لهم . وقيل : إنه منادى وحرف النداء مقدّر .

/خ21