الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُل لِّلَّهِۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (12)

قوله : { قل لمن ما في السموات والأرض ( قل لله ){[19190]} } الآية [ 13 ] .

قوله { الذين خسروا } في موضع رفع بالابتداء{[19191]} . ويجوز أن يكون في موضع نصب على البدل من{[19192]} المضمر{[19193]} في { ليجمعنكم } ، وهو قول الأخفش{[19194]} . وقيل : إن { ليجمعنكم } بدل من { الرحمة } على معنى التفسير لها{[19195]} .

ورد المبرد قول الأخفش ، وقال : لا يجوز أن يبدل من المخاطب إلا{[19196]} المخاطب{[19197]} ، لو قلت : ( مررت بك زيد ) ، و( مررت بي زيد ) لم يجز ، لأن هذا لا يُشكِل{[19198]} فيبيَّن ، ولكنه مرفوع بالابتداء ، و{ فهم لا يومنون } الخبر{[19199]} .

وقال ابن قتيبة : { الذين } في موضع خفض على البدل أو النعت ( للمكذبين ) الذين تقدم ذكرهم{[19200]} .

ومعنى الآية : قل يا محمد لهؤلاء العدلين المكذبين { لمن ما في السموات والأرض } أي : لمن ملك ذلك ؟ ، وليس لهم جواب عن ذلك ، فكأنهم طلبوا الجواب من السائل ، فقالوا لمن ذلك ؟ ، فقيل لهم : { لله } ، فصار السؤال والجواب من جهة واحدة في الظاهر والجواب إنما هو ( جواب ){[19201]} لسؤال مضمر ، لأنهم عجزوا على الجواب فقالوا : لمن ذلك ؟ ، فأجيبوا : { لله } ، أي : هو لله ، فأخبرهم أن ذلك لله ، وأعلمهم أن الله كتب على نفسه الرحمة لعباده{[19202]} ، فلا يعجل عليهم بالعقوبة ، فتوبوا إليه{[19203]} .

روى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال : " كتب الله كتاب قبل الخلق{[19204]} : إن رحمتي تسبق غضبي " {[19205]} .

وعن سلمان{[19206]} أن الله لما خلق السماء{[19207]} و( الأرض ){[19208]} ، خلق مائة رحمة ، كل رحمة تملأ ما بين السماء والأرض ، فعنده تسع وتسعون رحمة ، وقسم رحمة بين الخلائق ، ( فبها يتعاطفون ){[19209]} ، فإذا كان ذلك – يعني يوم القيامة – قصرها الله على المتقين ، وزادهم تسعا{[19210]} وتسعين . وعن سلمان قال : نجد{[19211]} ذلك في التوراة{[19212]} .

وروى الحكم بن أبان{[19213]} عن عكرمة قال : إذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه ، أخرج كتابا من تحت العرش فيه : ( أن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين ) . قال : فيخرج من النار مثل أهل الجنة ، أو مِثْليْ أهل الجنة ، مكتوبا هاهنا – وأشار الحكم إلى نحره{[19214]}( عُتقاء الله ) . فقال رجل لعكرمة : فإن الله يقول : { يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم }{[19215]} . قال عكرمة : أولئك أهلها ( الذين هم أهلها ){[19216]} .

وعن عبد الله بن عمر{[19217]} أنه كان يقول : إن لله{[19218]} مائة رحمة ، أهبط منها رحمة إلى أهل الدنيا ، تتراحم بها الجن والإنس وطائر السماء ، وحيتان{[19219]} الماء ، ودواب الأرض وهوامُّها ، وما بين الهواء{[19220]} ، واختزن عنده تسعا وتسعين رحمة ، حتى إذا كان يوم القيامة ، اختلج الرحمة{[19221]} التي كان أهبطها{[19222]} إلى أهل الدنيا ، فحَولها{[19223]} إلى ما عنده ، فجعلها في قلوب أهل الجنة{[19224]} ، ( و ){[19225]} على أهل الجنة{[19226]} .

فمعنى { كتب على نفسه الرحمة } : أمهلكم إلى يوم القيامة ، لأن معنى { ليجمعنكم } أي : يُمهلكم{[19227]} حتى يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه{[19228]} .

ومعنى { كتب } هنا : قضى{[19229]} .

وقيل : { إلى } بمعنى ( في ) ، أي : ليجمعنكم في يوم القيامة{[19230]} . وقيل : المعنى ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة ، ف( إلى ) لغير معنى ( في ){[19231]} .

واللام في { ليجمعنكم } لام قسم ، جواب ل{ كتب } ، لأن { كتب } بمعنى ( أوجب ){[19232]} ، والقسم إيجاب ، ( فاحتاج الإيجاب إلى جواب ، إذ هو بمعنى القسم في الإيجاب ){[19233]} ، وله نظائر كثيرة في القرآن تقاس على هذا{[19234]} .

والوقف على { الرحمة }{[19235]} حسن عند أبي ( حاتم والفراء ){[19236]} ، ويكون { ليجمعنكم } مبتدأ على القسم على قولهما{[19237]} .

وقيل : إن { ليجمعنكم }{[19238]} بدل من ( الرحمة ) ، فلا يوقف على ( الرحمة ) ، ومعنى البدل أن اللام بمعنى ( أن ) ، فالمعنى : الرحمة : أن يجمعكم ، أي : كتب ربكم على نفسه أن يجمعكم{[19239]} . ومثله على مذهب سيبويه : { ثم بدا لهم من بعد ( ما ){[19240]} رأوا الآيات ليسجننه } المعنى : أن يسجنوه{[19241]} ، ف( أن ) الفاعلة . ومثله : { كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه }{[19242]} في قراءة من فتح ( أن ){[19243]} .

قال نافع : { قل لله }{[19244]} تمام . { لا ريب فيه }{[19245]} : وقف حسن عند نافع وغيره .


[19190]:ساقطة من ب ج د.
[19191]:انظر: إعراب مكي 246.
[19192]:ب ج د: على.
[19193]:د: المظمر.
[19194]:انظر: معانيه 482، وذكره الطبري في تفسيره 11/281، والزجاج في معانيه 2/232، والنحاس في إعرابه 1/538، ومكي في إعرابه 247.
[19195]:جوزه الزجاج في معانيه 2/232، وذكره مكي في إعرابه 246.
[19196]:مخرومة في أ. وفي إعراب النحاس 1/538: (ولا)، وهو خطأ.
[19197]:انظر: المقتضب 3/272.
[19198]:ج د: شكل.
[19199]:وهذا الإعراب رأي الزجاج في معانيه 2/232، وقد ذكر النحاس في إعرابه: 1/538 رد المبرد لقول الأخفش. وذكره مكي في إعرابه 247 من غير ذكر قائله.
[19200]:أي في الآية السابقة. وقول ابن قتيبة محكي عنه في أحكام القرطبي 6/396.
[19201]:ساقطة من ج د.
[19202]:ج د: لهذه.
[19203]:انظر: تفسير الطبري 11/273، والمحرر 6/12، والتفسير الكبير 12/164، 165.
[19204]:مكررة في ب.
[19205]:انظر: تفسير الطبري 11/274. والحديث هو: (إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق: (إن رحمتي سبقت غضبي)، فهو مكتوب عنده فوق العرش): أخرجه البخاري في التوحيد وفي بدء الخلق، ومسلم في التوبة، والترمذي في الدعوات: انظر: جامع الأصول 4/518، 519.
[19206]:كلها مطموسة إلا نادرا مع بعض الخرم.
[19207]:د: سليمان.
[19208]:الظاهر من الخرم والطمس أنها ساقطة من أ.
[19209]:ب ج: فيها يتعاطفون. د: بها يتعاطفون وبها يتراحمون.
[19210]:مخرومة في أ. ب: تسع.
[19211]:ب: فخذ.
[19212]:انظر: تفسير الطبري 11/274، 275.
[19213]:هو أبو عيسى الحكم بن أبان العدني، عابد صدوق، وله أوهام، توفي سنة 54 هـ. انظر: التقريب 1/190.
[19214]:ب: نجده.
[19215]:المائدة آية 39.
[19216]:ساقطة من د. وانظر: تفسير الطبري 11/276.
[19217]:في تفسير الطبري 11/277: عمرو.
[19218]:مطموسة في أ. ب د: الله.
[19219]:د: حين.
[19220]:في موضعها بياض في ب.
[19221]:ج د: الرمة.
[19222]:مخرومة ومطموسة في أ. د: أسبطها.
[19223]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب: يحولها.
[19224]:ب ج د: الحلة.
[19225]:ساقطة من ج.
[19226]:انظر: تفسير الطبري 11/277.
[19227]:ب: لنهلكم.
[19228]:انظر: معاني الزجاج 2/231، 232.
[19229]:انظر: تفسير الطبري 11/273.
[19230]:انظر: التفسير الكبير 12/166، وأحكام القرطبي 6/395.
[19231]:انظر: المصدر السابق.
[19232]:انظر: تفسير الطبري 11/278، 279 وفيه أنه قول بعض نحويي البصرة، ومعنى (كتب) هذا: قول ابن قتيبة في غريبه 151.
[19233]:مطموسة ومخروم بعضها في (أ). ساقطة من ب ج د.
[19234]:انظر: معاني الفراء 1/328، وتفسير الطبري 11/279، حيث حكاه عن بعض نحويي البصرة وانظر: إعراب ابن الأنباري 1/315.
[19235]:هو – بالإضافة إلى القول السابق – قول الفراء في معانيه 1/328، وقولا الفراء هذان: في تفسير الطبري 11/278، والقطع 302. والصواب عند الطبري 11/279 هو أن (غاية، وأن يكون قوله: {ليجمعنكم} خبرا مبتدأ...لأن قوله {كتب} قد عمل في {الرحمة}...لا يتعدى إلى اثنين).
[19236]:ب: خاتم والفوا.
[19237]:مطموسة ومخروم بعضها في (أ). ساقطة من ب ج د. انظر: القطع 301، 302 وفيه أنه: (أحد قولي الفراء)، وانظر: معاني الفراء 1/328، وجوزه الزجاج في معانيه 2/232، وهو قول بعض نحويي الكوفة في تفسير الطبري 11/278.
[19238]:هو – بالإضافة إلى القول السابق – قول الفراء في معانيه 1/328، وقولا الفراء هذان في تفسير الطبري 11/278، والقطع 302. والصواب عند الطبري 11/279 هو أن (الرحمة غاية، وأن يكون قوله: {ليجمعنكم} خبرا مبتدأ...لأن قوله {كتب} قد عمل في {الرحمة}... لا يتعدى إلى اثنين).
[19239]:ساقطة من ب.
[19240]:يوسف آية 34.
[19241]:انظر: الكتاب 3/110.
[19242]:الأنعام آية 55. وذكر جميع هذا في القطع 301، 302.
[19243]:هي قراءة أبي جعفر ونافع في المبسوط 194، وعاصم وابن عامر في حجة ابن زنجلة 252، ويعقوب، والحسن، والشنبوذي، أيضا في إتحاف فضلاء البشر 2/13، وانظر: معاني الفراء 1/328.
[19244]:هو وقف كاف في القطع 301، والمكتفى 248، والمقصد 33.
[19245]:هو وقف تام في المكتفى 248، والمقصد 33.