قوله : { قل لمن ما في السموات والأرض ( قل لله ){[19190]} } الآية [ 13 ] .
قوله { الذين خسروا } في موضع رفع بالابتداء{[19191]} . ويجوز أن يكون في موضع نصب على البدل من{[19192]} المضمر{[19193]} في { ليجمعنكم } ، وهو قول الأخفش{[19194]} . وقيل : إن { ليجمعنكم } بدل من { الرحمة } على معنى التفسير لها{[19195]} .
ورد المبرد قول الأخفش ، وقال : لا يجوز أن يبدل من المخاطب إلا{[19196]} المخاطب{[19197]} ، لو قلت : ( مررت بك زيد ) ، و( مررت بي زيد ) لم يجز ، لأن هذا لا يُشكِل{[19198]} فيبيَّن ، ولكنه مرفوع بالابتداء ، و{ فهم لا يومنون } الخبر{[19199]} .
وقال ابن قتيبة : { الذين } في موضع خفض على البدل أو النعت ( للمكذبين ) الذين تقدم ذكرهم{[19200]} .
ومعنى الآية : قل يا محمد لهؤلاء العدلين المكذبين { لمن ما في السموات والأرض } أي : لمن ملك ذلك ؟ ، وليس لهم جواب عن ذلك ، فكأنهم طلبوا الجواب من السائل ، فقالوا لمن ذلك ؟ ، فقيل لهم : { لله } ، فصار السؤال والجواب من جهة واحدة في الظاهر والجواب إنما هو ( جواب ){[19201]} لسؤال مضمر ، لأنهم عجزوا على الجواب فقالوا : لمن ذلك ؟ ، فأجيبوا : { لله } ، أي : هو لله ، فأخبرهم أن ذلك لله ، وأعلمهم أن الله كتب على نفسه الرحمة لعباده{[19202]} ، فلا يعجل عليهم بالعقوبة ، فتوبوا إليه{[19203]} .
روى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال : " كتب الله كتاب قبل الخلق{[19204]} : إن رحمتي تسبق غضبي " {[19205]} .
وعن سلمان{[19206]} أن الله لما خلق السماء{[19207]} و( الأرض ){[19208]} ، خلق مائة رحمة ، كل رحمة تملأ ما بين السماء والأرض ، فعنده تسع وتسعون رحمة ، وقسم رحمة بين الخلائق ، ( فبها يتعاطفون ){[19209]} ، فإذا كان ذلك – يعني يوم القيامة – قصرها الله على المتقين ، وزادهم تسعا{[19210]} وتسعين . وعن سلمان قال : نجد{[19211]} ذلك في التوراة{[19212]} .
وروى الحكم بن أبان{[19213]} عن عكرمة قال : إذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه ، أخرج كتابا من تحت العرش فيه : ( أن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين ) . قال : فيخرج من النار مثل أهل الجنة ، أو مِثْليْ أهل الجنة ، مكتوبا هاهنا – وأشار الحكم إلى نحره{[19214]} – ( عُتقاء الله ) . فقال رجل لعكرمة : فإن الله يقول : { يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم }{[19215]} . قال عكرمة : أولئك أهلها ( الذين هم أهلها ){[19216]} .
وعن عبد الله بن عمر{[19217]} أنه كان يقول : إن لله{[19218]} مائة رحمة ، أهبط منها رحمة إلى أهل الدنيا ، تتراحم بها الجن والإنس وطائر السماء ، وحيتان{[19219]} الماء ، ودواب الأرض وهوامُّها ، وما بين الهواء{[19220]} ، واختزن عنده تسعا وتسعين رحمة ، حتى إذا كان يوم القيامة ، اختلج الرحمة{[19221]} التي كان أهبطها{[19222]} إلى أهل الدنيا ، فحَولها{[19223]} إلى ما عنده ، فجعلها في قلوب أهل الجنة{[19224]} ، ( و ){[19225]} على أهل الجنة{[19226]} .
فمعنى { كتب على نفسه الرحمة } : أمهلكم إلى يوم القيامة ، لأن معنى { ليجمعنكم } أي : يُمهلكم{[19227]} حتى يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه{[19228]} .
ومعنى { كتب } هنا : قضى{[19229]} .
وقيل : { إلى } بمعنى ( في ) ، أي : ليجمعنكم في يوم القيامة{[19230]} . وقيل : المعنى ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة ، ف( إلى ) لغير معنى ( في ){[19231]} .
واللام في { ليجمعنكم } لام قسم ، جواب ل{ كتب } ، لأن { كتب } بمعنى ( أوجب ){[19232]} ، والقسم إيجاب ، ( فاحتاج الإيجاب إلى جواب ، إذ هو بمعنى القسم في الإيجاب ){[19233]} ، وله نظائر كثيرة في القرآن تقاس على هذا{[19234]} .
والوقف على { الرحمة }{[19235]} حسن عند أبي ( حاتم والفراء ){[19236]} ، ويكون { ليجمعنكم } مبتدأ على القسم على قولهما{[19237]} .
وقيل : إن { ليجمعنكم }{[19238]} بدل من ( الرحمة ) ، فلا يوقف على ( الرحمة ) ، ومعنى البدل أن اللام بمعنى ( أن ) ، فالمعنى : الرحمة : أن يجمعكم ، أي : كتب ربكم على نفسه أن يجمعكم{[19239]} . ومثله على مذهب سيبويه : { ثم بدا لهم من بعد ( ما ){[19240]} رأوا الآيات ليسجننه } المعنى : أن يسجنوه{[19241]} ، ف( أن ) الفاعلة . ومثله : { كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه }{[19242]} في قراءة من فتح ( أن ){[19243]} .
قال نافع : { قل لله }{[19244]} تمام . { لا ريب فيه }{[19245]} : وقف حسن عند نافع وغيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.