المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (173)

173- وليس المحرم ما زعمه المشركون وما زعمه اليهود ، وإنما المحرم عليكم - أيها المؤمنون - الميتة التي لم تذبح من الحيوان ، ومن الدم المسفوح ، ومثله في التحريم لحم الخنزير ، وما ذكر على ذبحه اسم غير الله من الوثن ونحوه ، على أن من اضطر{[10]} إلى تناول شيء من هذه المحظورات لجوعٍ لا يجد ما يدفعه غيرها أو لإكراه على أكله فلا بأس عليه ، وليتجنب سبيل الجاهلية من طلب هذه المحرمات والرغبة فيها ولا يتجاوز ما يسد الجوع .


[10]:حال الاضطرار تسوغ ما يحرم لأن الموت المؤكد أشد من الضرر المحتمل، ولأن الجائع تتنبه أجهزة هضمه فيتغلب على المواد الضارة، ولذا لا يصح للمضطر أن يتجاوز حالة الضرورة.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (173)

قوله تعالى : { إنما حرم عليكم الميتة } . قرأ أبو جعفر الميتة في كل القرآن بالتشديد والباقون يشددون البعض . والميتة كل ما لم تدرك ذكاته مما يذبح .

قوله تعالى : { والدم } . أراد بالدم الجاري يدل عليه قوله تعالى ( أو دماً مسفوحاً ) . واستثنى الشرع من الميتة السمك والجراد ، ومن الدم الكبد والطحال فأحلها .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحلت لنا ميتتان ودمان ، الميتتان الحوت والجراد ، والدمان ، أحسبه قال : الكبد والطحال " .

قوله تعالى : { ولحم الخنزير } . أراد به جميع أجزائه فعبر عن ذلك باللحم لأنه معظمه .

قوله تعالى : { وما أهل به لغير الله } . أي ما ذبح للأصنام والطواغيت ، وأصل الإهلال رفع الصوت . وكانوا إذا ذبحوا لآلهتهم يرفعون أصواتهم بذكرها فجرى ذلك من أمرهم حتى قيل لكل ذابح . وإن لم يجهر بالتسمية مهل . وقال الربيع بن أنس وغيره وما أهل به لغير الله قال ما ذكر عليه اسم غير الله .

قوله تعالى : { فمن اضطر } . بكسر النون وأخواته قرأ عاصم وحمزة ، ووافق أبو عمرو إلا في اللام والواو مثل ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) " ويعقوب " إلا في الواو ، ووافق ابن عامر في التنوين ، والباقون كلهم بالضم ، فمن كسر قال : لأن الجزم يحرك إلى الكسر ، ومن ضم فضمه أول الفعل نقل حركتها إلى ما قبلها ، وأبو جعفر بكسر الطاء ، ومعناه فمن اضطر إلى أكل ميتة أي أحوج وألجئ إليه .

قوله تعالى : { غير } . نصب على الحال ، وقيل على الاستثناء وإذا رأيت غير ، لا يصلح في موضعها " إلا " فهي حال ، وإذا صلح في موضعها " إلا " فهي استثناء .

قوله تعالى : { باغ ولا عاد } . أصل البغي قصد الفساد ، يقال بغى الجرح يبغي بغياً إذا ترامى إلى الفساد ، وأصل العدوان الظلم ومجاوزة الحد يقال عدا عليه عدواً وعدواناً إذا ظلم . واختلفوا في معنى قوله غير باغ ولا عاد فقال بعضهم : غير باغ أي : خارج على السلطان ، ولا عاد : متعد عاص بسفره ، بأن خرج لقطع الطريق أو لفساد في الأرض . وهو قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير . وقالوا لا يجوز للعاصي بسفره أن يأكل الميتة إذا اضطر إليها ولا أن يترخص المسافر حتى يتوب ، وبه قال الشافعي : لأن إباحته له إعانة له على فساده ، وذهب جماعة إلى أن البغي والعدوان راجعان إلى الأكل واختلفوا في تفصيله . فقال الحسن وقتادة : غير باغ بأكله من غير اضطرار . ولا عاد أي لا يعدو لشبعه . وقيل غير باغ أي غير طالبها وهو يجد غيرها ولا عاد أي غير متعد ما حد له فما يأكل حتى يشبع ، ولكن يأكل منها قوتاً مقدار ما يمسك رمقه . وقال مقاتل بن حيان : غير باغ أي مستحل لها . ولا عاد أي متزود منها . وقيل غير باغ أي غير مجاوز للقدر الذي أحل له ، ولا عاد أي لا يقصر فيما أبيح له فيدعه ، قال مسروق : من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل ولم يشرب حتى مات دخل النار .

واختلف العلماء في مقدار ما يحل للمضطر أكله من الميتة ، فقال بعضهم : مقدار ما يسد رمقه . وهو قول أبو حنيفة رضي الله عنه وأحد قولي الشافعي . والقول الآخر يجوز أن يأكل حتى يشبع وبه قال مالك رحمه الله تعالى . وقال سهل بن عبد الله : غير باغ مفارق للجماعة ، ولا عاد : مبتدع مخالف للسنة ، ولم يرخص للمبتدع في تناوله المحرم عند الضرورة .

قوله تعالى : { فلا إثم عليه } . فلا حرج عليه في أكلها .

قوله تعالى : { إن الله غفور } . لمن أكل في حال الاضطرار .

قوله تعالى : { رحيم } . حيث رخص للعباد في ذلك .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (173)

ولما امتن تعالى عليهم برزقه ، وأرشدهم إلى الأكل من طيبه ، ذكر أنه لم يحرم عليهم من ذلك إلا الميتة ، وهي التي تموت حتف أنفها من غير تذكية ، وسواء كانت منخنقة أو موقوذة أو مُتَردِّية أو نطيحة أو قد عدا عليها السبع .

وقد خصص الجمهور من ذلك ميتة البحر لقوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } [ المائدة : 96 ] على ما سيأتي ، وحديث العنبر في الصحيح وفي المسند والموطأ والسنن قوله ، عليه السلام ، في البحر : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وروى الشافعي وأحمد وابن ماجة والدارقطني من حديث ابن عمر مرفوعًا : " أحل لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد ، والكبد والطحال " وسيأتي تقرير ذلك في سورة المائدة{[3058]} .

ولبن الميتة وبيضها المتصل بها نجس عند الشافعي وغيره ؛ لأنه جزء منها . وقال مالك في رواية : هو طاهر إلا أنه ينجس بالمجاورة ، وكذلك أنفحة الميتة فيها الخلاف والمشهور عندهم أنها نجسة ، وقد أوردوا على أنفسهم أكل الصحابة من جبن المجوس ، فقال القرطبي في تفسيره هاهنا : يخالط اللبن منها يسير ، ويعفى عن قليل النجاسة إذا خالط الكثير من المائع . وقد روى ابن ماجة من حديث سيف بن هارون ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء ، فقال : " الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرم الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه " {[3059]} .

وكذلك حرم عليهم لحم الخنزير ، سواء ذُكِّي أو مات حَتْف أنفه ، ويدخُلُ شَحْمه في حكم لحمه{[3060]} إما تغليبًا أو أن اللحم يشمل ذلك ، أو بطريق القياس على رأي . و[ كذلك ]{[3061]} حَرَّم عليهم ما أهِلَّ به لغير الله ، وهو ما ذبح على غير اسمه{[3062]} تعالى من الأنصاب والأنداد والأزلام ، ونحو ذلك مما كانت الجاهلية ينحرون له . [ وذكر القرطبي عن ابن عطية أنه نقل عن الحسن البصري : أنه سئل عن امرأة عملت عرسًا للعبها فنحرت فيه جزورًا فقال : لا تؤكل لأنها ذبحت لصنم ، وأورد القرطبي عن عائشة أنها سئلت عما يذبحه العجم في أعيادهم فيهدون منه للمسلمين ، فقالت : ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوه ، وكلوا من أشجارهم ]{[3063]} . ثم أباح تعالى تناول ذلك عند الضرورة والاحتياج إليها ، عند فقد غيرها من الأطعمة ، فقال : { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ } أي : في غير بغي ولا عدوان ، وهو مجاوزة الحد { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } أي : في أكل ذلك { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

وقال مجاهد : فمن اضطر غير باغ ولا عاد ، قاطعًا للسبيل ، أو مفارقًا للأئمة ، أو خارجًا في معصية الله ، فله الرخصة ، ومن خرج باغيًا أو عاديًا أو في معصية الله فلا رخصة له ، وإن اضطر إليه ، وكذا روي عن سعيد بن جبير .

وقال سعيد - في رواية عنه - ومقاتل بن حيان : غير باغ : يعني غير مستحله . وقال السدي : غير باغ يبتغي فيه شهوته ، وقال عطاء الخراساني في قوله : { غَيْرَ بَاغٍ } [ قال ]{[3064]} لا يشوي من الميتة ليشتهيه ولا يطبخه ، ولا يأكل إلا العُلْقَة ، ويحمل معه ما يبلغه الحلال ، فإذا بلغه ألقاه [ وهو قوله : { وَلا عَادٍ } يقول : لا يعدو به الحلال ]{[3065]} .

وعن ابن عباس : لا يشبع منها . وفسره السدي بالعدوان . وعن ابن عباس { غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ } قال : { غَيْرَ بَاغٍ } في الميتة { وَلا عَادٍ } في أكله . وقال قتادة : فمن اضطر غير باغ ولا عاد في{[3066]} أكله : أن يتعدى حلالا إلى حرام ، وهو يجد عنه مندوحة .

وحكى القرطبي عن مجاهد في قوله : { فَمَنِ اضْطُرَّ } أي : أكره على ذلك بغير اختياره .

مسألة : ذكر القرطبي إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير بحيث لا قطع فيه ولا أذى ، فإنه لا يحل له أكل الميتة بل يأكل طعام الغير بلا خلاف - كذا قال - ثم قال : وإذا أكله ، والحالة هذه ، هل يضمنه أم لا ؟ فيه قولان هما روايتان عن مالك ، ثم أورد من سنن ابن ماجه من حديث شعبة عن أبي إياس جعفر بن أبي وحشية : سمعت عباد بن العنزي{[3067]} قال : أصابتنا عامًا مخمصة ، فأتيت المدينة{[3068]} . فأتيت حائطا ، فأخذت سنبلا ففركته وأكلته ، وجعلت منه في كسائي ، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال للرجل : " ما أطعمته إذ كان جائعا أو ساعيا ، ولا علمته إذ كان جاهلا " {[3069]} . فأمره فرد إليه ثوبه ، وأمر له بوسق من طعام أو نصف وسق ، إسناد صحيح قوي جيد وله شواهد كثيرة : من ذلك حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق ، فقال : " من أصاب منه من ذي حاجة بفيه غير متخذ خبنة{[3070]} فلا شيء عليه " {[3071]} الحديث .

وقال مقاتل بن حيان في قوله : { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فيما أكل من اضطرار ، وبلغنا - والله أعلم - أنه لا يزاد{[3072]} على ثلاث لقم .

وقال سعيد بن جبير : غفور لما أكل من الحرام . رحيم إذ أحل له الحرام في الاضطرار .

وقال وَكِيع : حدثنا الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : من{[3073]} اضطُرَّ فلم يأكل ولم يشرب ، ثم مات دخل النار .

[ وهذا يقتضي أن أكل الميتة للمضطر عزيمة لا رخصة . قال أبو الحسن الطبري - المعروف بالكيا الهراسي رفيق الغزالي في الاشتغال : وهذا هو الصحيح عندنا ؛ كالإفطار للمريض في رمضان ونحو ذلك ]{[3074]} .


[3058]:وسيأتي تخريج الحديثين عند تفسير أول سورة المائدة.
[3059]:سنن ابن ماجة برقم (3367) ورواه الترمذي في السنن برقم (1726) من طريق سيف بن هارون به وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه". وروى سفيان وغيره عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان قوله، وكأن الحديث الموقوف أصح، وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال: ما أراه محفوظا، روى سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان، عن سلمان موقوفا، قال البخاري: "وسيف بن هارون مقارب الحديث، وسيف بن محمد، عن عاصم ذاهب الحديث".
[3060]:في جـ: "ويدخل لحمه في حكم شحمه".
[3061]:زيادة من جـ، أ، و.
[3062]:في جـ: "غير اسم الله".
[3063]:زيادة من جـ، أ.
[3064]:زيادة من جـ.
[3065]:زيادة من و.
[3066]:في جـ: "ولا عاد أي".
[3067]:في أ: "شرحيل الفتوى" وفي ط: "بشر العنزي" والصواب ما أثبتناه.
[3068]:في أ: "فأتيت الحتفية".
[3069]:سنن ابن ماجة برقم (2298).
[3070]:في أ: "غير منحن جيبه".
[3071]:رواه الترمذي في السنن برقم (1289) وقال: "هذا حديث حسن".
[3072]:في أ: "أنه لا يزيد".
[3073]:في جـ: "فمن".
[3074]:زيادة من جـ.