فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (173)

{ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم } وبعد الدعوة إلى تناول الطيبات حصرت المحرمات بأداء الحصر { إنما } ليعلم أن ما وراء ذلك يبقى على أصله وهو الحل كما جاء في محكم التنزيل { قل لا أجد فيما أوحي إليك محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم }{[567]} و{ الميتة } ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح وما ليس بمأكول فزكاته كموته كالسباع وغيرهما ؛ { والدم } وورد في هذه الآية مطلقا لكنه قيد في آية سورة الأنعام سورة المذكورة آنفا بقول المولى الحكيم { أو دما مسفوحا } والمطلق يحمل على المقيد ونقل القرطبي الإجماع على ذلك وأوردوا من السنة ما يشهد له {[568]} ؛ { ولحم الخنزير } وإجماع الأمة على جملة لحم الخنزير إلا الشعر فإنه يخرز به نقل هذا عن القرطبي { وما أهل به لغير الله } ما ذكر به عند ذبحه اسم غير اسم الله عز وجل { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم } لا خلاف بين أهل العلم متقدميهم ومتأخريهم في وجوب رد مهجة المسلم عند خوف الذهاب والتلف . . . ،

أورد هذا صاحب الجامع لأحكام القرآن واستشهد بأحاديث{[569]} كثيرة { غير باغ ولا عاد } قال مجاهد وابن جرير غير باغ على المسلمين ولا عاد عليهم فيدخل في الباغي والعادي وقطاع الطريق والخارج على السلطان والمسافر في قطع الرحم والغارة على المسلمين وما شاكله { فإن الله غفور رحيم }- أي يغفر المعاصي فأولى ألا يؤاخذ بما رخص فيه ومن رحمته أنه رخص-{[570]} .


[567]:من سورة الأنعام الآية 135.
[568]:روت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي لله عنها أنها كانت تطبخ اللحم فتعلو الصفرة البرمة من الدم فيأكل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره.
[569]:ومنها ما أخرجه بن ماجه رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة مربوطة الضروع بعضاة الشجر فثبنا إليها فنادانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعنا إليه فقال إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم ويمنهم بعد الله أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب به أترون ذلك عدلا}؟ فقال: (إن هذه كذلك) قلنا: أفرأيت إن احتجنا إلى الطعام والشراب؟ فقال (كل ولا تحمل واشرب ولا تحمل).
[570]:ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن.