جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (173)

{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ } : التي ماتت من غير ذكاة ، { وَالدَّمَ } ، أي : دما {[272]} مسفوحا والسمك والجراد والكبد والطحال مستثنى بالحديث {[273]} ، { وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ } : وتخصيص {[274]} اللحم بالذكر لأنه معظم ما يؤكل ، { وَمَا أُهِلَّ {[275]} بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ } : ما ذكر اسم غير الله عند ذبحه ، وهذه الآية رد على من حرموا على أنفسهم أشياء من عند أنفسهم ، فالمراد قصر الحرمة على ما ذكر مما استحلوه لا مطلقاً فلا يرد أن المحرمات غيرها كثيرات ، { فَمَنِ اضْطُرَّ } : أحوج ولجئ إليه ، { غَيْرَ بَاغٍ } : خارج على السلطان {[276]} أو مستحله أو آكله من غير {[277]} اضطرار أو متجاوز القدر الذي أحل له وقيل باغ بالاستئثار على مضطر آخر ، { وَلاَ عَادٍ } ، متعد عاص بسفره أو غيره متعد ما حد له ، فيأكل أكثر مما يمسك رمقه {[278]} ، أو يتعدى حلالا وهو يجد عن الحرام {[279]} مندوحة ، { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } ، في تناوله ، { إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، حيث رخص بالأشياء .


[272]:يعني كل من الكبد والطحال يصدق عليه أنه دم مسفوح كالخمر المتجمد فإنه نجس لأنه مسكر مائع فإنه كان كذلك/12 منه
[273]:(*) يعني قوله صلى الله عليه وسلم: "أحل لنا ميتتان ودمان، الحوت والجراد، والكبد والطحال" أخرجه أحمد (2/97)، وابن ماجة (3314) وغيرهما، وانظر الصحيحة (1118)، وصحيح الجامع
[274]:مع أن جميع أجزائه حرام نجس كشحمه/12
[275]:قوله وما أهل، أصل الإهلال رفع الصوت، أي: ما ذبح للأصنام والطواغيت وصيح في ذبحه بغير الله، ولا خلاف في تحريم هذا وأمثاله، ومثله ما يقع من المعتقدين للأموات من الذبح على قبورهم. فإنه مما أهل به لغير الله ولا فرق بينه وبين الذبح للوثن، قال مجاهد: يعني ما ذبح لغير الله. أخرجه ابن أبي حاتم وفي تفسير النيسابوري للنظام قال العلماء: لو أن مسلماً ذبح ذبيحة وقصد بذبحها التقرب إلى غير الله صار مرتدا وذبيحته ذبيحة مرتد انتهى/12 فتح، وقال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية في كتابه الصراط المستقيم في الكلام على هذه الآية: الظاهر أنه ما ذبح لغير الله، سواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه، وقال فيه: باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله كان أزكى مما ذبحناه للحم، وقلنا عليه: باسم الله، فإن عبادة الله بالصلاة والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، والعبادة لغير الله أعظم من الاستعانة بغير الله، فلو ذبح لغير الله متقربا إليه يحرم، وإن قال فيه: باسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال لكن تجتمع في الذبيحة مانعان. انتهى أقول أراد بذلك أن النحر عبادة مختصة بالله تعالى، كالصلاة فالنحر للأموات عبادة لهم، قال تعالى: "فصل لربك وانحر" [الكوثر: 2] والنحر من النسك، "إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" [الأنعام: 162]/12
[276]:الأول قول سعيد بن جبير ومجاهد، والثاني لمقاتل بن حيان، والثالث للسدي، والرابع لابن عباس وعثمان بن عطاء الخراساني/12 منه
[277]:كأنه قال اضطراراص واقعياً/12 منه
[278]:هذا قول قتادة/12
[279]:أي: سعة يعني يجد شيئا يسد رمقه من الحلال/12 منه