صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (173)

{ والدم }أي المسفوح المهراق ، الآية : { أو دما مسفوحا }{[48]} . وهي خاصة ، والآية هنا عامة ، والخاص مقدم على العام .

{ ولحم الخنزير } المراد به جميع أجزائه . وعبر عن ذلك باللحم لأنه معظمه والمقصود بالأكل .

{ وما أهل به لغير الله } الإهلال : رفع الصوت عند رؤية الهلال ، ثم استعمل لرفع الصوت مطلقا ومنه : إهلال الصبي ، والإهلال بالحج . وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم سموا عليها أسماءها – كاللات والعزى- ورفعوا بها أصواتهم ، وسمي ذلك إهلالا . ثم توسع فيه فقيل لكل ذابح : مهل ، سمى أو لم يسم ، جهر بالتسمية أولم يجهر . والمراد بما أهل به لغير الله : ما ذبح للأصنام ونحوها ، ومنه ما يذبحه المجوسي للنار . ومنه عند الجمهور : ذبائح أهل الكتاب إذا ذكروا عليها اسم عزير أو عيسى عليهما السلام ، لأنها مما أهل به لغير الله . وذهب جماعة من التابعين إلى تخصيص الغير بالأصنام ، وإلى حل ذبائح أهل الكتاب مطلقا ، لعموم قوله تعالى في سورة المائدة وهي آخر السور نزولا : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم }{[49]} أي ذبائحهم ، وهو سبحانه يعلم ما يقولون . وروى الحسن عن علي رضي الله عنه : إذا ذكر الكتابي اسم غير الله وأنت تسمع فلا تأكل ، فإذا غاب عنك فكل ، فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون . ذكره الرازي والنيسابوري والآلوسي وغيرهم . وظاهر الآية يقتضي ألا يحرم من المعلومات سوى هذه الأربعة ، لكنا نعلم أن في الشرع مطعومات أخرى محرمة كلحوم الحمر الأهلية ، فتصير كلمة " إنما " متروكة الظاهر في العمل ، كما قاله الرازي .

{ فمن اضطر } أي فمن ألجئ بإكراه أوجوع مهلك – مع فقد الحلال – إلى أكل شيء من هذه المحرمات الأربع ، التي كانوا في الجاهلية يستحلونها ، أو التي اعتقد المؤمنون حرمتها ولوفي حالة الاضطرار فلا إثم عليه في أكلها . من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشيء . يقال : اضطره إليه أحوجه وألجأه فاضطر . مأخوذ من الاضرار ، وهو حمل الإنسان على أمر يكرهه ، وقهره عليه بقوة يناله بدفعها الهلاك . والآية استثناء لحالة الضرورة الملجئة .

{ غير باغ ولا عاد } " غير باغ " في أكله ، أي غير طالب للمحرم وهو يجد غيره . أو غير طالب له للذته ، أو على جهة الاستئثار به على مضطر آخر ، بأن ينفرد بتناوله فيهلك الآخر . من البغاء ، وهو الطلب تقول : بغيته بغاء وبغي بغية وبغية ، طلبته . " ولا عاد " فيه ، أي متجاوز سد الجوعة .

اسم فاعل بمعنى متعد ، تقول : عدا طوره ، إذا تجاوز حده وتعداه إلى غيره ، فهو عاد . ومنه : { بل أنتم قوم عادون } {[50]} و " غير " منصوب على الحال من الضمير المستتر في " اضطر " .

{ فلا إثم عليه } أي في أكله ، فسقطت الحرمة للاضطرار . وقيل : سقط الإثم مع بقاء الحرمة للاضطرار . روى عن مسروق : من اضطر فلم يأكل ولم يشرب ثم مات دخل النار . فجعل الأكل عزيمة لا رخصة .


[48]:: آية 145 الأنعام
[49]:: آية 5
[50]:: آية 166 الشعراء.