الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (173)

ثم قال : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) [ 172 ] .

أي : لم يحرم عليكم شيئاً مما حرمتموه على أنفسكم من البحائر والوصائل والسوائب والحوام التي حرمتموها على أنفسكم ، إنما حرم عليكم أكل لحم( {[5211]} ) الميتة ولحم الخنزير وأكل الدم وأكل ما ذبح لغير الله مثل ما يذبح للأصنام والأوثان ، وما ترك ذكر( {[5212]} ) اسم الله عليه( {[5213]} ) متعمداً ، فإنْ تَرَكَه ناسياً فلا شيء عليه( {[5214]} ) .

وهذا المحرم لفظه عام وفيه تخصيص لأن الميتة من الجراد وصيد البحر والدم المخالط للحم الذي هو غير جار وما نسي عليه التسمية كله حلال أكله( {[5215]} ) .

ومعنى : ( وَمَا أُهِلَّ ) : ما ذبح لغير الله ، يعني للأصنام . قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم( {[5216]} ) .

ف " ما " للأصنام . . . وقيل : هي للذبائح( {[5217]} ) ، للأصنام( {[5218]} ) .

وقيل : للصياح ؛ النداءُ الذي ينادى به لغير الله على الذبائح( {[5219]} ) . وأصل( {[5220]} ) الإهلال رفع الصوت( {[5221]} ) .

وقيل : المعنى ما ذكر عليه غير اسم الله( {[5222]} ) .

ثم قال : ( فَمَنُ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ) [ 172 ] .

أي/فمن لحقته ضرورة من جوع وجهد وخوف على نفسه من الهلاك ، ( غَيْرَ بَاغٍ ) على المسلمين ، ولا متعمد( {[5223]} ) للأكل ، ( وَلاَ عَادٍ ) ، أي متعد على الناس .

وقيل : ( وَلاَ عَادٍ ) معناه : ولا عائد لأكْلة أخرى لغير ضرورة فيكونن المقلوب ، أخرت الياء فصار كقاض( {[5224]} ) .

قوله : ( فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ) [ 172 ] . أي : لا حرج عليه في أكل ما يرد به روحه .

وقيل : " معناه : من أكره على أكل شيء من هذا المحرم فلا إثم عليه إنْ( {[5225]} ) أكَله مكرهاً " . قاله مجاهد( {[5226]} ) .

وقال ابن عباس : " من أكل شيئاً من هذا وهو مضطر فلا حرج عليه ، ومن أكله غير مضطر فقد بغى واعتدى " .

قال( {[5227]} ) ابن جبير في قوله : ( غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ ) ، قال : " هو أن يقطع الطريق فلا رخصة له إذا جاع أن يأكل الميتة ، وإذا عطش أن يشرب الخمر " ( {[5228]} ) .

وهو قول قتادة وعكرمة( {[5229]} ) .

وقال ابن زيد : " لا يأكل ذلك بغياً ولا تعدياً من الحلال إلى الحرام " ( {[5230]} ) . وقال النخعي : " غير باغ على المسلمين " ( {[5231]} ) .

/قال مجاهد : ( وَلاَ عَادٍ ) : ولا متعد( {[5232]} ) عليهم : من خرج يقطع السبل ويقطع الرحم فلا يحل له شيء من ذلك وإن اضطر " ( {[5233]} ) .

فذهب إلى أن الباغي قاطع الطريق . والعادي قاطع الرحم .

قال الحسن : " غير باغ فيها ، ولا متعد( {[5234]} ) فيها يأكلها( {[5235]} ) ، وهو عنها غني " ( {[5236]} ) .

وقيل : المعنى : غير باغ ما حرم الله ، ولا عاد . وله في تركها وجه( {[5237]} ) .

وأجاز بكر( {[5238]} ) القاضي لقاطع( {[5239]} ) الطريق أن يأكل منها إذا اضطر ، لأن قتله لنفسه معصية( {[5240]} ) أخرى/فلا يأمره بها .

قال مسروق( {[5241]} ) : " ومن اضطر إلى الميتة فأبى أن يأكل حتى مات ، دخل النار " ( {[5242]} ) .

وقال مالك( {[5243]} ) : " من اضطُر ، أَكَل شِبَعه( {[5244]} ) منها " ( {[5245]} ) .

وقال غيره : " إنما يأكل منها ما يقيم به الرمق " ( {[5246]} ) .

وقيل : ( غَيْرَ بَاغٍ ) : غير خارج على المسلمين بسيفه( {[5247]} ) باغياً عليهم ولا عادياً عليهم بحرب ظلماً( {[5248]} ) .

( فَلاَ إِثْمَ )( {[5249]} ) أي : ( {[5250]} ) فلا حرج ، إن الله غفور رحيم .


[5211]:- في ع3: لحوم.
[5212]:- سقط من ع2، ع3.
[5213]:- في ع3: عند الذبح.
[5214]:- سقط من ع2.
[5215]:- انظر: هذا التوجيه في المحرر الوجيز 2/48، وتفسير القرطبي 2/217.
[5216]:- انظر: تفسير الغريب 69، والمحرر الوجيز 2/49، وتفسير القرطبي 2/224.
[5217]:- في ع3: للذبائح.
[5218]:- انظر: جامع البيان 3/319.
[5219]:- انظر: معاني الفراء 1/102.
[5220]:- في ع3: والأصل. وهو تحريف.
[5221]:- انظر: مفردات الراغب 542، واللسان 3/822.
[5222]:- انظر: مجاز القرآن 1/64، وتفسير الغريب 69، وهو قول الربيع وابن زيد وغيرهما في جامع البيان 3/321.
[5223]:- في ع2: متعمداً. وفي ع3: متعد.
[5224]:- انظر: تفسير القرطبي 2/232.
[5225]:- في ع3: أي. وهو تصحيف.
[5226]:- انظر: جامع البيان 3/322، وتفسير ابن كثير 1/205.
[5227]:- في ع3: وقال.
[5228]:- انظر: أحكام ابن العربي 1/57، والدر المنثور 1/408.
[5229]:- انظر: جامع البيان 3/324.
[5230]:- انظر: جامع البيان 3/324، وعزاه ابن كثير في تفسيره 1/205 إلى قتادة.
[5231]:- وهو اختيار ابن قتيبة. انظر: تفسير الغريب 69.
[5232]:- في ع3: متعدياً. وفي ح: معتد. وفي ق: متعمد.
[5233]:- انظر: تفسيره 1/94 (مع اختلاف في الألفاظ).
[5234]:- في ح: معتد.
[5235]:- في ع2: يأكلها.
[5236]:- انظر: أحكام ابن العربي 1/57، وهو اختيار الطبري في جامع البيان 3/325.
[5237]:- انظر: الدر المنثور 1/408. وقوله: "قال الحسن...تركها وجه" ساقط من ع3.
[5238]:- في ق: أبو بكر. هو بكر بن محمد بن العلاء، كنيته أبو الفضل، من كبار فقهاء المالكيين، محدث..سمع من إبراهيم بن حماد وجعفر بن محمد الفريابي، وروى عنه أبو حنيفة الجمحي. (ت344هـ). انظر: طبقات المفسرين للداودي: 1/118-220.
[5239]:- في ع1: للقاطع.
[5240]:- في ع: معصيته.
[5241]:- هو مسروق بن الأجذع بن مالك الهمداني، الكوفي، تابعي مشهور. روى عن أبي بكر وعمر وخَلْق، واختص بابن مسعود، روى عنه الشعبي وطائفة. قال عنه ابن معين: "ثقة، لا يسأل عن مثله". (ت73هـ) وقيل: 74هـ. انظر: طبقات ابن خياط: 149، وتذكرة الحفاظ: 49-50، وتقريب التهذيب: 2/242، والخلاصة 2/21.
[5242]:- انظر: أحكام ابن العربي 1/56، والدر المنثور 1/408.
[5243]:- في ع2، ع3: مالك رضي الله عنه.
[5244]:- في ع3: شبهه. وهو تحريف.
[5245]:- انظر: أحكام ابن العربي 1/55، والمحرر الوجيز 2/51.
[5246]:- انظر: معاني الفراء 1/103، وأحكام ابن العربي 1/55.
[5247]:- في ق: سيفه.
[5248]:- انظر: معاني الفراء 1/103، وأحكام ابن العربي 1/57، والمحرر الوجيز 2/50-51.
[5249]:- في ح: فلا إثم عليه.
[5250]:- سقط من ع3.