وقوله : { إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ . . . }
نَصْب لوقوع " حرّم " عليها . وذلك أن قولك " إنا " على وجهين : أحدهما أن تجعل " إنّما " حرفا واحدا ، ثم تُعْمِل الأفعالَ التي تكون بعدها [ في ] الأسماء ، فإن كانت رافعة رفعت ، وإن كانت ناصبة نصبت ؛ فقلت : إنما دخلت دارَك ، وإنما أعجبتني دارُك ، وإنّما مالي مالُك . فهذا حرف واحد .
وأما الوجه الآخَر فأن بجعل " ما " منفصِلة من ( إنّ ) فيكون " ما " على معنى الذي ، فإذا كانت كذلك وَصَلْتَها بما يوصل به الذي ، ثم يرفع الاسم الذي يأتي بعد الصلة ؛ كقولك إنّ ما أخذت مالُكَ ، إِن ما ركبت دابَّتُك . تريد : إن الذي ركبت دابتُك ، وإن الذي أخذت مالك . فأجْرِهما على هذا .
وهو في التنزيل في غير ما موضع ؛ من ذلك قوله تبارك وتعالى : { إِنَّما اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ } ، { إِنَّما أَنْت نَذِيرٌ } فهذه حرف واحد ، هي وإنَّ ، لأن " الذي " لا تَحسُن في موضع " ما " .
وأما التي في مذهب ( الذي ) فقوله : { إنَّما صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ } معناه : إِن الذي صنعوا كيدُ ساحرٍ . ولو قرأ قارِئ " إِنما صنعوا كيدَ ساحِرٍ " نصبا كان صوابا إذا جعل إنَّ وما حرفا واحدا . وقوله { إِنَّما اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْثَانا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ } قد نصب المودّة قوم ، ورفعها آخَرون على الوجهين اللذين فسَّرت لك . وفي قراءة عبد الله " إنما مودَّةُ بَيْنِكُمْ في الحياةِ الدنيا " فهذه حجَّة لمن رفع المودّة ؛ لأنها مستأنفة لم يوقع الاتّخاذ عليها ، فهو بمنزلة قولك : إن الذي صنعتموه ليس بنافع ، مودّة بينكم ثم تنقطع بعد . فإن شئت رفعت المودّة ب " بين " ؛ وإن شئت أضمرت لها اسما قبلها يرفعها ؛ كقوله " سُورَةٌ أَنْزَلْناها " وكقوله { لم يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ } .
فإذا رأيت " إنَّما " في آخِرها اسم من الناس وأشباههم مما يقع عليه " مَنْ " فلا تجعلنَّ " ما " فيه على جهة ( الذي ) ؛ لأن العرب لا تكاد تجعل " ما " للناس . من ذلك : إنَّما ضربت أخاك ، ولا تقل : أخوك ؛ لأن " ما " لا تكون للناس .
فإذا كان الاسم بعد " إنَّما " وصِلتِها مِن غير الناس جاز فيه لك الوجهان ؛ فقلت : إنَّما سكنت دارَك . وإن شئت : دارُك .
وقد تجعل العرب " ما " في بعض الكلام للناس ، وليس بالكثير . وفي قراءة عبد الله " وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى . والذَّكَرِ والأُنْثَى " وفي قراءتنا " وما خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثَى " فمن جعل " ما خلق " للذكر والأنثى جاز أن يخفض " الذكرِ والأنثى " : كأنه قال والذي خلق : الذكرِ والأنثى . ومن نصب " الذكر " جعل " ما " و " خلق " كقوله : وخَلْقِه الذكر والأنثى ، يوقع خَلَق عليه . والخفض فيه على قراءة عبد الله حَسَن ، والنصب أكثر .
ولو رفعت " إنّما حَرَّم عليكم الميتةُ " كان وجها . وقد قرأ بعضهم : " إنما حُرِّم عليكم المِّيتةُ " ولا يجوز هاهنا إلا رفع الميتة والدم ؛ لأنك إن جعلت " إنّما " حرفا واحدا رفعت الميتة والدم ؛ لأنه فعل لم يسمَّ فاعله ، وإن جعلت " ما " على جهة ( الذي ) رفعت الميتة والدم ؛ لأنه خبر ل " ما " .
وقوله : { وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ . . . }
الإهلال : ما نودي به لغير الله على الذباحَ [ وقوله ] { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } [ ( غير ) في هذا الموضع حال للمضطرّ ؛ كأنك قلت : فمن اضطرّ لا باغيا ولا عاديا ] فهو له حلال . والنصب ها هنا بمنزلة قوله { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ ما يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ } ومثله { إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ } و " غير " ها هنا لا ؛ تصلح " لا " في موضعها ؛ لأنّ " لا " تصلح في موضع غير . وإذا رأيت " غير " يصلح " لا " في موضعها فهي مخالفة " لغير " التي لا تصلح " لا " في موضعها .
ولا تحِلّ الميتة للمضطَرّ إذا عدا على الناس بسيفه ، أو كان في سبيل من سُبُل المعاصي . ويقال : إنه لا ينبغي لآكلها أن يشبع منها ، ولا أن يتزوّد منها شيئا . إنما رُخّص له فيما يُمْسِك نَفْسه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.