الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (173)

قرىء : «حَرّم » على البناء للفاعل ، و«حُرِّم » على البناء للمفعول ، و«حَرُم » بوزن كرم { أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله } أي رفع به الصوت للصنم ، وذلك قول أهل الجاهلية : باسم اللات والعزى { غَيْرَ بَاغٍ } على مضطرّ آخر بالاستيثار عليه { وَلاَ عَادٍ } سدَّ الجوعة .

فإن قلت : في الميتات ما يحل وهو السمك والجراد . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحلت لنا ميتتان ودمان " قلت : قصد ما يتفاهمه الناس ويتعارفونه في العادة . ألا ترى أنّ القائل إذا قال : أكل فلان ميتة ، لم يسبق الوهم إلى السمك والجراد ، كما لو قال : أكل دماً ، لم يسبق إلى الكبد والطحال . ولاعتبار العادة والتعارف قالوا : من حلف لا يأكل لحماً فأكل سمكاً لم يحنث- وإن أكل لحماً في الحقيقة ، قال الله تعالى : { لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّا } [ النحل : 14 ] وشبهوه بمن حلف لا يركب دابة فركب كافراً لم يحنث - وإن سماه الله تعالى دابة في قوله : { إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الذين كَفَرُواْ } [ الأنفال : 55 ] .

فإن قلت : فما له ذكر لحم الخنزير دون شحمه ؟ قلت : لأنّ الشحم داخل في ذكر اللحم ، لكونه تابعاً له و صفه فيه ، بدليل قولهم : لحم سمين ، يريدون أنه شحيم .