قوله : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة } قرأ أبو جعفر : " حُرِّم " على البناء للمفعول ، و { إِنَّمَا } كلمة موضوعة للحصر تثبت ما تناوله الخطاب ، وتنفي ما عداه . وقد حصرت ها هنا التحريم في الأمور المذكورة بعدها . قوله : { الميتة } قرأ ابن أبي عبلة بالرفع ، ووجه ذلك أنه يجعل «ما » في { إنما } موصولة منفصلة في الخط ، والميتة وما بعدها خبر الموصول ، وقراءة الجميع بالنصب . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " الميتة " بتشديد الياء ، وقد ذكر أهل اللغة أنه يجوز في ميت التشديد والتخفيف . والميتة : ما فارقها الروح من غير ذكاة . وقد خصص هذا العموم بمثل حديث : «أحلّ لنا ميتتان ودمان » أخرجه أحمد ، وابن ماجه ، والدارقطني ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن ابن عمر مرفوعاً ، ومثل حديث جابر في العنبر الثابت في الصحيحين مع قوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر } [ المائدة : 96 ] فالمراد بالميتة هنا ميتة البرّ لا ميتة البحر . وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أكل جميع حيوانات البحر حيها ، وميتها . وقال بعض أهل العلم : إنه يحرم من حيوانات البحر ما يحرم شبهه في البر ، وتوقف ابن حبيب في خنزير الماء . وقال ابن القاسم : وأنا أتقيه ، ولا أراه حراماً .
قوله : { والدم } قد اتفق العلماء على أن الدم حرام ، وفي الآية الأخرى : { أَوْ دَمًا مسْفُوحًا } [ الأنعام : 145 ] فيحمل المطلق على المقيد ؛ لأن ما خلط باللحم غير محرم ، قال القرطبي : بالإجماع . وقد روت عائشة ؛ أنها كانت تطبخ اللحم ، فتعلو الصفرة على البُرْمَة من الدم ، فيأكل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينكره .
قوله : { وَلَحْمَ الخنزير } ظاهر هذه الآية ، والآية الأخرى أعني قوله تعالى : { قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ اِلي مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ } [ الأنعام : 145 ] أن المحرّم إنما هو : اللحم فقط . وقد أجمعت الأمة على تحريم شحمه كما حكاه القرطبي في تفسيره وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن اللحم يدخل تحته الشحم . وحكى القرطبي الإجماع أيضاً على أن جملة الخنزير محرّمة إلا الشعر ، فإنه تجوز الخرازة به . قوله : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله } الإهلال : رفع الصوت ، يقال أهلّ بكذا ، أي : رفع صوته .
تُهِلّ بالفَرْقَد رُكْبانُها *** كما يُهِلّ الراكبُ المُعتَمِر
أو دُرةٌ صَدَفِيةٌ غَوّاصُها *** بَهِجٌ مَتَى يرها يُهِلّ ويَسجُد
ومنه إهلال الصبيّ ، واستهلاله ، وهو : صياحه عند ولادته . والمراد هنا : ما ذكر عليه اسم غير الله كاللات والعزّى ، إذا كان الذابح ، وثنياً ، والنار إذا كان الذابح مجوسياً . ولا خلاف في تحريم هذا ، وأمثاله ، ومثله ما يقع من المعتقدين للأموات من الذبح على قبورهم ، فإنه مما أهلّ به لغير الله ، ولا فرق بينه ، وبين الذبح للوثن .
قوله : { فَمَنِ اضطر } قرئ بضم النون للاتباع ، وبكسرها على الأصل في التقاء الساكنين ، وفيه إضمار . أي : فمن اضطرّ إلى شيء من هذه المحرمات . وقرأ ابن محيصن بإدغام الضاد في الطاء . وقرأ أبو السماك بكسر الطاء . والمراد مَنْ صيَّره الجوع ، والعدم إلى الاضطرار إلى الميتة . قوله : { غَيْرَ بَاغٍ } نصب على الحال . قيل المراد بالباغي : من يأكل فوق حاجته ، والعادي : من يأكل هذه المحرمات ، وهو يجد عنها مندوحة ، وقيل : غير باغٍ على المسلمين ، وعادٍ عليهم ، فيدخل في الباغي ، والعادي قطاع الطريق ، والخارج على السلطان ، وقاطع الرحم ، ونحوهم ، وقيل : المراد غير باغٍ على مضطرٍّ آخر ، ولا عادٍ سدَّ الجوعة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.